responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 334
حَبِطَ عَمَلُهُ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى فَهُمَا آيَتَانِ مُفِيدَتَانِ لِمَعْنَيَيْنِ وَحُكْمَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ اهـ يُرِيدُ أَنَّ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ وَالْجَوَابَيْنِ هُنَا تَوْزِيعًا فَقَوْلُهُ: فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ. وَقَوْلُهُ: وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ، وَلَعَلَّ فِي إِعَادَةِ وَأُولئِكَ إِيذَانًا بِأَنَّهُ جَوَابٌ ثَانٍ، وَفِي إِطْلَاقِ الْآيِ الْأُخْرَى عَنِ التَّقْيِيدِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ إِلْغَاءٌ لِقَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَلَعَلَّ نَظَرَ مَالِكٍ فِي إِلْغَاءِ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامٌ تَرْجِعُ إِلَى أُصُولِ الدِّينِ وَلَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ، فَإِذَا كَانَ
الدَّلِيلُ الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَلِأَنَّهُ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ، وَغَالِبُ أَدِلَّةِ الْفُرُوعِ ظَنِّيَّةٌ، فَأَمَّا فِي أُصُولِ الِاعْتِقَادِ فَأُخِذَ مِنْ كُلِّ آيَةٍ صَرِيحُ حُكْمِهَا، وَلِلنَّظَرِ فِي هَذَا مَجَالٌ، لِأَنَّ بَعْضَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَعْمَالِ رَاجِعٌ إِلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَفُرُوعِهِ كَالْحَجِّ.
وَالْحُجَّةُ لِلشَّافِعِيِّ إِعْمَالُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ وَصَوَّبَهُ ابْنُ الْفَرَسِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
فَإِنْ قُلْتَ فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَرِّرُهُ الْإِسْلَامُ فَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «أَسَلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَمْتَ عَلَيْهِ مَنْ خَيْرٍ»
، فَهَلْ يَكُونُ الْمُرْتَدُّ عَنِ الْإِسْلَامِ أَقَلَّ حَالًا مَنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ حَالَةَ الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ حَالَةُ خُلُوٍّ عَنِ الشَّرِيعَةِ فَكَانَ مِنْ فَضَائِلِ الْإِسْلَامِ تَقْرِيرُهَا.
وَقَدْ بُنِيَ عَلَى هَذَا خِلَافٌ فِي بَقَاءِ حُكْمِ الصُّحْبَةِ لِلَّذِينَ ارْتَدُّوا بَعْدَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ مِثْلَ قُرَّةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الْعَامِرِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ، وَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَعَمْرو بن معديكرب، وَفِي «شَرْحِ الْقَاضِي زَكَرِيَّا عَلَى أَلْفِيَّةِ الْعِرَاقِيِّ» :
وَفِي دُخُولِ مَنْ لَقِيَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ فِي الصَّحَابَةِ نَظَرٌ كَبِيرٌ اهـ قَالَ حُلولو فِي «شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ» وَلَوِ ارْتَدَّ الصَّحَابِيُّ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَ إِلَى الْإِيمَانِ بَعْدَ وَفَاتِهِ جَرَى ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الرِّدَّةِ، هَلْ تُحْبِطُ الْعَمَلَ بِنَفْسِ وُقُوعِهَا أَوْ إِنَّمَا تُحْبِطُهُ بِشَرْطِ الْوَفَاةِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ صُحْبَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ، أَمَّا قَبُولُ رِوَايَتِهِ بَعْدَ عَوْدَتِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَفِيهَا نَظَرٌ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 334
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست