responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 310
وَالْمُرَادُ بِالْبَيِّنَاتِ هُنَا الدَّلَائِلُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الصَّدُّ عَنِ الِاخْتِلَافِ فِي مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ النُّصُوصُ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ مَدْلُولَاتِهَا أَعْنِي قَوَاطِعَ الشَّرِيعَةِ، وَالظَّوَاهِرَ الْمُتَعَاضِدَةَ الَّتِي الْتَحَقَتْ بِالْقَوَاطِعِ. وَالظَّوَاهِرَ الَّتِي لَمْ يَدْعُ دَاعٍ إِلَى تَأْوِيلِهَا وَلَا عَارَضَهَا مُعَارِضٌ. وَالظَّوَاهِرُ الْمُتَعَارِضَةُ الَّتِي دَلَّ تَعَارُضُهَا عَلَى أَنَّ مَحْمَلَ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حَالَةٍ لَا تُعَارِضُ حَالَةَ مَحْمَلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الْأُصُولِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَتَوَارِيخِ التَّشْرِيعِ الدَّالَّةِ عَلَى نَسْخِ حُكْمٍ حُكْمًا آخَرَ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّارِيخِ مِنْ نَحْوِ هَذَا نَاسِخٌ، أَوْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَا فَصَارَ كَذَا، فَهَذِهِ بَيِّنَاتٌ مَانِعَةٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ لَوْ كَانَ غَرَضُ الْأُمَمِ اتِّبَاعَ الْحَقِّ وَمَجِيءُ الْبَيِّنَاتِ بُلُوغُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَظُهُورُ الْمُرَادِ مِنْهَا.
وَالْبَعْدِيَّةُ هُنَا: بَعْدِيَّةُ اعْتِبَارٍ لَمْ يُقْصَدْ مِنْهَا تَأَخُّرُ زَمَانِ الِاخْتِلَافِ عَنْ مَجِيءِ الْبَيِّنَاتِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَيْ أَنَّ الْخِلَافَ كَانَ فِي حَالَةٍ تَقَرَّرَتْ فِيهَا دَلَائِلُ الْحَقِّ فِي نُفُوسِ الْمُخْتَلِفِينَ.
وَقَوْلُهُ: بَغْياً بَيْنَهُمْ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لِاخْتَلَفُوا، وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ وَأَصْلُ الْبَغْيِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الطَّلَبُ، ثُمَّ شَاعَ فِي طَلَبِ مَا لِلْغَيْرِ بِدُونِ حَقٍّ فَصَارَ بِمَعْنَى الظُّلْمِ مَعْنًى ثَانِيًا وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْحَسَدِ لِأَنَّ الْحَسَدَ ظُلْمٌ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ دَاعِيَ الِاخْتِلَافِ هُوَ التَّحَاسُدُ وَقَصْدُ كُلِّ فَرِيقٍ تَغْلِيطَ الْآخَرِ فَيُحَمِّلُ الشَّرِيعَةَ غَيْرَ مَحَامِلِهَا لِيُفْسِدَ مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ الْآخَرُ فَيُفْسِدُ كُلُّ فَرِيقٍ صَوَابَ غَيْرِهِ وَأَمَّا خَطَؤُهُ فَأَمْرُهُ أَظْهَرُ.
وَقَوْلُهُ: بَيْنَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: بَغْياً لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْبَغْيَ بِمَعْنَى الْحَسَدِ، وَأَنَّهُ ظُلْمٌ فِي نَفْسِ الْأُمَّةِ وَلَيْسَ ظُلْمًا عَلَى عَدُوِّهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّقَ كُلٍّ مِنَ الْمَجْرُورِ وَهُوَ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ وَتَعَلُّقَ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ وَهُوَ بَغْياً بِقَوْلِهِ: اخْتَلَفَ الَّذِي هُوَ مَحْصُورٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّغِ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا مَحْصُورًا فِي فَاعِلِ الْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَا بِهِ، فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ
بَيْنَ النُّحَاةِ فِي جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ شَيْئَيْنِ بَعْدَ أَدَاةِ اسْتِثْنَاءٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ اسْتِثْنَاءَ أَشْيَاءَ بَلِ اسْتِثْنَاءُ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُمُ الَّذِينَ أُوتُوهُ، لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ هُمَا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وبَغْياً

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 310
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست