responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 309
فَاللَّهُ بَعَثَ الرُّسُلَ لِإِبْطَالِ الضَّلَالِ الْحَاصِلِ مِنْ جَهْلِ الْبَشَرِ بِصَلَاحِهِمْ فَجَاءَتِ الرُّسُلُ بِالْهُدَى، اتَّبَعَهُمْ مَنِ اتَّبَعَهُمْ فَاهْتَدَى وَأَعْرَضَ عَنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ فَبَقِيَ فِي ضَلَالَةٍ، فَإِرْسَالُ الرُّسُلِ لِإِبْطَالِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، ثُمَّ أَحْدَثَ اتِّبَاعُ الرُّسُلِ بِعْدَهُمُ اخْتِلَافًا آخَرَ وَهُوَ اخْتِلَافُ كُلِّ قَوْمٍ فِي نَفْسِ شَرِيعَتِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا بَيَانُ عَجِيبِ حَالِ الْبَشَرِ فِي تَسَرُّعِهِمْ إِلَى الضَّلَالِ، وَهِيَ حَقِيقَةٌ تَارِيخِيَّةٌ مِنْ تَارِيخِ الشَّرَائِعِ، وَتَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
وَالتَّعْرِيضُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ أَشْهَرُ أَهْلِ الشَّرَائِعِ يَوْمَئِذٍ فِيمَا صَنَعُوا بِكُتُبِهِمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِيهَا، وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ اسْتِطْرَادِ الْقُرْآنِ فِي تَوْبِيخِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَخَاصَّةً الْيَهُودَ وَهِيَ طَرِيقَةٌ عَرَبِيَّةٌ بَلِيغَةٌ قَالَ زُهَيْرٌ:
إِنَّ الْبَخِيلَ مَلُومٌ حِينَ كَانَ ... وَلَكِنَّ الْجَوَادَ عَلَى عِلَّاتِهِ هَرَمُ
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ يَمْدَحُ الْخَلِيفَةَ وَيَسْتَطْرِدُ بِهِجَاءِ جَرِيرٍ:
إِلَى مَلِكٍ مَا أُمُّهُ مِنْ مُحَارِبٍ ... أَبُوهُ وَلَا كَانَتْ كُلَيْبٌ تُصَاهِرُهُ
وَالضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ: فِيهِ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْكِتَابِ وَأَنْ يَعُودَ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ، وَالْمَعْنَى عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْكِتَابَ أُنْزِلَ مُلَابِسًا لِلْحَقِّ وَمُصَاحِبًا لَهُ فَإِذَا اخْتُلِفَ فِي الْكِتَابِ اخْتُلِفَ فِي الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ وَبِالْعَكْسِ عَلَى طَرِيقَةِ قِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَنْطِقِ.
وَالِاخْتِلَافُ فِي الْكِتَابِ ذَهَابُ كُلِّ فَرِيقٍ فِي تَحْرِيفِ الْمُرَادِ مِنْهُ مَذْهَبًا يُخَالِفُ مَذْهَبَ الْآخَرِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ لَا فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أُصُولِهِ يُعَطِّلُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ.
وَجِيءَ بِالْمَوْصُولِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُعَرِّفَاتِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْأَمْرِ الْعَجِيبِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَلِفُونَ فِي مَقْصِدِ الْكِتَابِ هُمُ الَّذِينَ أُعْطُوا الْكِتَابَ لِيُزِيلُوا بِهِ الْخِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ فَأَصْبَحُوا هُمْ سَبَبَ خِلَافٍ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْمُرَادَ مِنْهُ.
وَالْمَعْنَى تَشْنِيعُ حَالِ الَّذِينَ أُوتُوهُ بِأَنْ كَانُوا أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقِّ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّرَائِعِ، لِأَنَّ أُولَئِكَ لَهُمْ بَعْضُ الْعُذْرِ بِخِلَافِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا بَعْدَ كَوْنِ الْكِتَابِ بِأَيْدِيهِمْ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتَلَفَ، وَالْبَيِّنَاتُ جَمْعُ بَيِّنَةٍ وَهِيَ الْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 309
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست