responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 311
إِذِ الْمَقْصُودُ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ وَمُعَانِدِيهِ، وَلَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ قَبْلَ ظُهُورِ الدَّلَائِلِ الصَّارِفَةِ عَنِ الْخِلَافِ، وَلَا كَانَ ذَلِكَ الْخِلَافُ عَنْ مَقْصِدٍ حَسَنٍ بَلْ كَانَ بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ الْوَاحِدِ، مَعَ قِيَامِ الدَّلَائِلِ وَبِدَافِعِ الْبَغْيِ وَالْحَسَدِ.
وَالْآيَةُ تَقْتَضِي تَحْذِيرَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ أَيْ فِي أُصُولِ الْإِسْلَامِ، فَالْخِلَافُ الْحَاصِلُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ اخْتِلَافًا فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّهَا إِجْمَاعِيَّةٌ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ تَحْقِيقَهَا، وَلِذَلِكَ اتَّفَقَتْ أُصُولُهُمْ فِي الْبَحْثِ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَنْ مَقْصِدِ الشَّارِعِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، وَاتَّفَقُوا فِي أَكْثَرِ الْفُرُوعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ كَيْفِيَّةِ الْوُصُولِ إِلَى مَقْصِدِ الشَّارِعِ، وَقَدِ اسْتَبْرَءُوا لِلدِّينِ فَأَعْلَنُوا جَمِيعًا أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمًا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَأَنَّهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ كَلَّفَ الْمُجْتَهِدِينَ بِإِصَابَتِهِ وَأَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ، وَأَنَّ مُخْطِئَهُ أَقَلُّ ثَوَابًا مِنْ مُصِيبِهِ، وَأَنَّ التَّقْصِيرَ فِي طَلَبِهِ إِثْمٌ. فَالِاخْتِلَافُ الْحَاصِلُ بَيْنَ عُلَمَائِنَا اخْتِلَافٌ جَلِيلُ الْمِقْدَارِ مُوَسِّعٌ لِلْأَنْظَارِ [1] .
أَمَّا لَوْ جَاءَ أَتْبَاعُهُمْ فَانْتَصَرُوا لِآرَائِهِمْ مَعَ تَحَقُّقِ ضَعْفِ الْمُدْرِكِ أَوْ خَطَئِهِ لَقَصْدِ تَرْوِيجِ الْمَذْهَبِ وَإِسْقَاطِ رَأْيِ الْغَيْرِ فَذَلِكَ يُشْبِهُ الِاخْتِلَافَ الَّذِي شَنَّعَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَذَّرَنَا مِنْهُ فَكُونُوا مِنْ مِثْلِهِ عَلَى حَذَرٍ وَلَا تَكُونُوا كَمَثَلِ قَوْلِ الْمُعَرِّيِّ:
فَمُجَادِلٌ وَصَلَ الْجِدَالَ وَقَدْ دَرَى ... أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِيهِ لَيْسَ كَمَا زَعَمْ

عَلِمَ الْفَتَى النَّظَّارُ أَنَّ بَصَائِرًا ... عَمِيَتْ فَكَمْ يخفى الْيَقِين وَكم يُعَمْ
وَقَوْلُهُ: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا هَذَا الْعَطْفُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْفَاءَ عَاطِفَةٌ عَلَى اخْتَلَفَ فِيهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ الْقَصْرِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَطْفٌ بِالْفَاءِ إِشَارَةً إِلَى سُرْعَةِ هِدَايَتِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِعَقِبِ الِاخْتِلَافِ اهـ، يُرِيدُ أَنَّهُ تَعْقِيبٌ بِحَسَبِ مَا يُنَاسِبُ سُرْعَةَ مِثْلِهِ وَإِلَّا فَهُدَى
الْمُسْلِمِينَ وَقَعَ بَعْدَ أَزْمَانٍ مَضَتْ، حَتَّى تَفَاقَمَ اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَاخْتِلَافُ النَّصَارَى، وَفِيهِ بُعْدٌ لَا يَخْفَى، فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْفَاءَ فَصِيحَةٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ التَّحْذِيرُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الِاخْتِلَافِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ لِهُدَى الْمُسْلِمِينَ لِلْحَقِّ فِي كُلِّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ فَكَأَنَّ السَّامِعَ تَرَقَّبَ الْعِلْمَ بِعَاقِبَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ فَقِيلَ:
دَامَ هَذَا الِاخْتِلَافُ إِلَى مَجِيءِ الْإِسْلَامِ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَخْ، فَقَدْ أَفْصَحَتْ عَنْ كَلَامٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ الْمَحْذُوفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ [الْبَقَرَة: 60] .

[1] قَالَ المُصَنّف عِنْد شرح: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ [آل عمرَان] : «والمسلمون وَإِن اخْتلفُوا فِي أَشْيَاء كَثِيرَة لم يكن اخْتلَافهمْ إِلَّا اخْتِلَافا علميا فرعيا، وَلم يَخْتَلِفُوا اخْتِلَافا ينْقض أصُول دينهم، بل غَايَة الْكل الْوُصُول إِلَى الْحق من الدَّين وخدمة مَقَاصِد الشَّرِيعَة. انْظُر أَيْضا شرح [آل عمرَان: 105] و [الشورى: 10] .
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 311
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست