responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 302
الْمَقْصُودُ بَيَانَ مَزِيَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَفَضْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ الْبَيَانِ وَالْبُرْهَانِ.
وَأَيًّا مَا كَانَ الْمُرَادُ فَإِنَّ فِعْلَ كَانَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي أَصْلِ مَعْنَاهُ وَهُوَ اتِّصَافُ اسْمِهَا الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِمَضْمُونِ خَبَرِهَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي وَأَنَّ ذَلِكَ قَدِ انْقَطَعَ، إِذْ صَارَ النَّاسُ مُنْقَسِمِينَ إِلَى فِئَتَيْنِ فِئَةٍ عَلَى الْحَقِّ وَفِئَةٍ عَلَى الْبَاطِلِ.
فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَحْدَةَ فِي الْحَقِّ فَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ عَلَى النَّاسِ الرُّشْدَ وَالِاسْتِقَامَةَ وَالصَّلَاحَ وَالْإِصْلَاحَ فَلَمْ يَكُونُوا بِحَاجَةٍ إِلَى بِعْثَةِ الرُّسُلِ إِلَى أَنِ اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُمْ فَظَهَرَ فِيهِمُ الْفَسَادُ، فَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ وَنُقِلَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ قَوْمٌ كَانَ ذَلِكَ زَمَنَ نوح كفر رجل قَوْمِهِ فَهَلَكُوا بِالطُّوفَانِ إِلَّا مَنْ نَجَّاهُ اللَّهُ مَعَ نُوحٍ فَكَانَ أُولَئِكَ النَّفَرُ النَّاجُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً قَائِمَةً عَلَى الْحَقِّ، وَقِيلَ إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ عَلَى الْحَقِّ حِينَ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْوَاحَ الَّتِي سَتُودَعُ فِي بَنِي آدَمَ فَفَطَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَقَرُّوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَهُوَ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [172، 173] : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَحَدِ تَفَاسِيرِ تِلْكَ الْآيَةِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
وَفِي «تَفْسِيرِ الْفَخْرِ» عَنِ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ:
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فِي التَّمَسُّكِ بِالشَّرَائِعِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ وَصِفَاتِهِ وَاجْتِنَابِ
الظُّلْمِ وَالْكَذِبِ وَحُجَّتُهُمَا عَلَى ذَلِكَ أَن قَوْله: النَّبِيِّينَ جَمْعٌ يُفِيدُ الْعُمُومَ (أَيْ لِأَنَّهُ مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ) فَيَقْتَضِي أَنَّ بَعْثَةَ كُلِّ النَّبِيئِينَ كَانَتْ بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ الْفَاءِ، وَالشَّرَائِعُ إِنَّمَا تُلُقِّيَتْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ كَوْنَ النَّاسِ أُمَّةً وَاحِدَةً شَيْءٌ سَابِقٌ عَلَى شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مُسْتَفَادًا مِنَ الْعَقْلِ، وَهُمَا يَعْنِيَانِ أَنَّ اللَّهَ فَطَرَ الْإِنْسَانَ فِي أَوَّلِ نَشْأَتِهِ عَلَى سَلَامَةِ الْفِطْرَةِ مِنَ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ، قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التِّين: 4] وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالنَّاسِ آدَمُ وَحَوَّاءُ. نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَوْمٍ، وَالَّذِي نَجْزِمُ بِهِ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي زَمَنٍ مِنْ أَزْمَانِ وُجُودِ النَّاسِ عَلَى الْأَرْضِ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ:
وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [الْفرْقَان: 38] وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ زَمَنِ وُجُودِ آدَمَ إِلَى أَنْ أَشَرَكَ قَوْمُ نُوحٍ.
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَحْدَةَ عَلَى الْبَاطِلِ فَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ نُوحٍ فِي أَوَّلِ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مَعَ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَيَظْهَرُ أَنَّ الضَّلَالَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 302
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست