responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 301
بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِيَدُومُوا عَلَى الْحَقِّ خَشْيَةَ انْصِرَافِهِمْ عَنْهُ إِذَا ابْتَدَأَ الِاخْتِلَافُ يَظْهَرُ وَأَيَّدَهُمُ اللَّهُ بِالْكُتُبِ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ مَجِيءُ الرُّسُلِ لِأَجْلِ إِبْطَالِ اخْتِلَافٍ حَدَثَ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى بَعْثَةِ الرُّسُلِ هُوَ الِاخْتِلَافُ النَّاشِئُ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْحَقِّ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّفْرِيعُ عَلَى جُمْلَةِ كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ وَعَلَى صَرِيحِ قَوْلِهِ: لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ فَاخْتَلَفُوا بَعْدَ قَوْلِهِ أُمَّةً واحِدَةً، لِأَنَّ الْبَعْثَةَ تَرَتَّبَتْ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا عَلَى الْكَوْنِ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَعَلَى هَذَا الْفَهْمِ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ) إِلَخْ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الضَّلَالِ لَصَحَّ تَفْرِيعُ الْبَعْثَةِ عَلَى نَفْسِ هَذَا الْكَوْنِ بِلَا تَقْدِيرٍ وَلَوْلَا أَنَّ الْقَرِينَةَ صَرَفَتْ عَنْ هَذَا لَكَانَ هُوَ الْمُتَبَادِرَ، وَلِهَذَا قَالَ ابْن عَطِيَّة كَانَ مَنْ قَدَّرَ النَّاسَ فِي الْآيَةِ كَانُوا مُؤْمِنِينَ قَدَّرَ فِي الْكَلَامِ فَاخْتَلَفُوا وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَهُمْ كُفَّارًا كَانَتْ بَعْثَةُ الرُّسُلِ إِلَيْهِمُ اهـ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْتَقْدِيرَ قَوْلُهُ فِي آيَةِ سُورَةِ يُونُسَ [19] وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا لِأَنَّ الظَّاهِرَ اتِّحَادُ غَرَضِ الْآيَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ هُنَا عَنِ النَّاسِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً وَنَحْنُ نَرَى اخْتِلَافَهُمْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَدُومُوا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ التَّوْحِيدَ وَالْهُدَى وَالصَّلَاحَ هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا حِينَ خَلَقَهُمْ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الْأَعْرَاف:
172] ، وَأَنَّهَا مَا غَشَّاهَا إِلَّا تَلْقِينُ الضَّلَالِ وَتَرْوِيجُ الْبَاطِلِ وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ النَّبِيئِينَ لِإِصْلَاحِ
الْفِطْرَةِ إِصْلَاحًا جُزْئِيًّا فَكَانَ هَدْيُهُمْ مُخْتَلِفَ الْأَسَالِيبِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ وَالْأَهْلِيَّةِ وَشِدَّةِ الشَّكَائِمِ، فَكَانَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُيَسِّرُ وَمِنْهُمُ الْمُغَلِّظُ وَأَنَّهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا لِإِكْمَالِ ذَلِكَ الْإِصْلَاحِ، وَإِعَادَةِ النَّاسِ إِلَى الْوَحْدَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَالْهُدَى وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَخْ.
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَنَّ الْمَعْنَى كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً مُتَّفِقِينَ عَلَى الضَّلَالِ وَالشَّرِّ وَهُوَ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَعَلَيْهِ فَعَطْفُ قَوْلِهِ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ عَطْفٌ عَلَى اللَّفْظِ الظَّاهِرِ لَا تَقْدِيرَ مَعَهُ أَيْ كَانُوا كَذَلِكَ فَبَعَثَ اللَّهِ النَّبِيئِينَ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ لِيُرْشِدُوا النَّاسَ إِلَى الْحَقِّ بِالتَّبْشِيرِ وَالنِّذَارَةِ. فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إِظْهَارُ أَنَّ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ النَّبِيئِينَ قَدْ وَقَعَ فِيهِ التَّغْيِيرُ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا بُعِثُوا بِهِ وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْقُرْآنِ لِإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَيَكُونُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 301
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست