responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 300
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ النَّاسِ أُمَّةً وَاحِدَةً الْوَحْدَةَ فِي الضلال وَالْكفْر يكون اللَّهُ قَدْ نَبَّهَهُمْ أَنَّ بَعْثَةَ الرُّسُلِ تَقَعُ لِأَجْلِ إِزَالَةِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ الَّذِي يَحْدُثُ فِي قُرُونِ الْجَهَالَةِ، فَكَذَلِكَ انْتَهَتْ تِلْكَ الْقُرُونُ إِلَى الْقَرْنِ الَّذِي أَعْقَبَتْهُ بَعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكُونُ الْآيَةُ تَثْبِيتًا لِلْمُؤْمِنِينَ فَالْمُنَاسَبَةُ حَاصِلَةٌ مَعَ قَوْلِهِ: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا [الْبَقَرَة: 212] . فَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هَدَى إِلَى شَرِيعَةٍ تَجْمَعُ النَّاسَ كُلَّهُمْ تَبْيِينًا لِفَضِيلَةِ هَذَا الدِّينِ وَاهْتِدَاءِ أَهْلِهِ إِلَى مَا لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ، مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الشَّرَائِعِ تَمْهِيدٌ لَهُ وَتَأْنِيسٌ بِهِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا.
وَالنَّاسُ اسْمُ جَمْعٍ لَيْسَ لَهُ مُفْرَدٌ مِنْ لَفْظِهِ، وَ (الْ) فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ هُنَا لِلْعُمُومِ أَيِ الْبَشَرِ كُلِّهِمْ، إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ فَرِيقٌ مَعْهُودٌ وَلَكِنَّهُ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى مُرَاعَاةِ الْغَالِبِ الْأَغْلَبِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالنَّادِرِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو زَمَنٌ غَلَبَ فِيهِ الْخَيْرُ عَنْ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ شِرِّيرًا مِثْلَ عَصْرِ النُّبُوَّةِ وَلَا يَخْلُو زَمَنٌ غَلَبَ فِيهِ الشَّرُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ خَيِّرًا مِثْلَ نُوحٍ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود: 4] .
وَالْأمة بضمة الْهَمْزَةِ: اسْمٌ لِلْجَمَاعَةِ الَّذِينَ أَمْرُهُمْ وَاحِدٌ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْأَمِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْقَصْدُ أَيْ يَؤُمُّونَ غَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْجَمَاعَةُ أُمَّةً إِذَا اتَّفَقُوا فِي الْمَوْطِنِ أَوِ الدِّينِ أَوِ اللُّغَةِ أَوْ فِي جَمِيعهَا.
وَالْوَصْف ب (وَاحِدَةٌ) فِي الْآيَةِ لِتَأْكِيدِ الْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ (أُمَّةً) لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ مِنَ الْأُمَّةِ الْقَبِيلَةَ، فَيُظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ كَانَ النَّاسُ أَهْلَ نَسَبٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْأُمَّةَ قَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَجْمَعُهُمْ نَسَبٌ مُتَّحِدٌ.
وَالْوَحْدَةُ هُنَا: مُرَادٌ بِهَا الِاتِّحَادُ وَالتَّمَاثُلُ فِي الدِّينِ بِقَرِينَةِ تَفْرِيعٍ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ إِلَخْ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْحَقِّ وَالْهُدَى أَيْ كَانَ النَّاسُ عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَقِّ وَالتَّوْحِيدِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى رَوَى الطَّبَرِيُّ تَفْسِيرَهَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ مُخْتَارُ الزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ الْفَخْرُ: وَهُوَ مُخْتَارُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ الْقَفَّالُ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ إِلَى قَوْلِهِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، لِأَنَّ تَفْرِيعَ الْخَبَرِ بِبِعْثَةِ النَّبِيِّينَ عَلَى الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَتَعْلِيلَ الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ انْتَظَمَ مِنْ ذَلِكَ كَلَامٌ مِنْ بَلِيغِ الْإِيجَازِ وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فَجَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 300
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست