responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 299
لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً قَائِمَةً عَلَى الْحَقِّ وَمَا كَانَ اخْتِلَافُهُمْ لِسَبَبِ الْبَغْيِ وَالتَّحَاسُدِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا اهـ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِتَنْظِيرِ مَا لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ بِمَا كَانَ فِي الْأُمَمِ الْغَابِرَةِ.
الثَّانِي: يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الطِّيبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ [الْبَقَرَة: 214] أَخَذَ مِنْ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً تَشْجِيعُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ بِذِكْرِ مَا قَابَلَتْ بِهِ الْأُمَمُ السَّالِفَةُ أَنْبِيَاءَهَا وَمَا لَقُوا فِيهَا مِنَ الشَّدَائِدِ اهـ فَالْمُنَاسَبَةُ عَلَى هَذَا فِي مَدْلُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ [الْبَقَرَة: 212] إِلَخْ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِلْمُنَاسَبَةِ.
وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ مَوْقِعَ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا جَامِعٌ لِمَوْقِعِ تَذْيِيلٍ لِمَا قَبْلَهَا وَمُقَدِّمَةٌ لِمَا بَعْدَهَا.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهَا أَفَادَتْ بَيَانَ حَالَةِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ كَيْفَ نَشَأَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْحق مِمَّا لأَجله تَدَارَكَهُمُ اللَّهُ بِبِعْثَاتِ الرُّسُلِ فِي الْعُصُورِ وَالْأَجْيَالِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا حِكْمَةُ اللَّهِ وَلُطْفُهُ مِمَّا يُمَاثِلُ الْحَالَةَ الَّتِي نَشَأَتْ فِيهَا الْبَعْثَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ وَمَا لَقِيَهُ الرَّسُولُ وَالْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهَا مُقَدِّمَةٌ لِمَا يَرِدُ بَعْدَهَا مِنْ ذِكْرِ اخْتِصَاصِ الْإِسْلَامِ بِالْهِدَايَةِ إِلَى الْحق الَّذِي اخْتلفت فِيهِ الْأُمَمُ وَهُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إِلَى قَوْلِهِ: إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ كَوْنِ الْإِسْلَامِ مُهَيْمِنًا عَلَى مَا
سَبَقَهُ مِنَ الشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَأَنَّ هَذِهِ الْمَزِيَّةَ الْعُظْمَى يَجِبُ الِاعْتِرَافُ بِهَا وَأَلَّا تَكُونَ مَثَارَ حَسَدٍ لِلنَّبِيءِ وَأُمَّتِهِ، رَدًّا عَلَى حَسَدِ الْمُشْرِكِينَ، إِذْ يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى حَسَدِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ إِلَى قَوْلِهِ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
[الْبَقَرَة: 142] .
وَحَصَلَ مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ تَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ تَارِيخَ أَطْوَارِ الدِّينِ بَيْنَ عُصُورِ الْبَشَرِ بِكَلِمَاتٍ جَامِعَةٍ خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِمْ أُمَّةً وَاحِدَةً الْوَحْدَةَ فِي الْخَيْرِ وَالْحَقِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا سَيَأْتِي فَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فَبَعَثَ لَهُمْ أَنْبِيَاءَ مُتَفَرِّقِينَ لِقَصْدِ تَهْيِئَةِ النَّاسِ لِلدُّخُولِ فِي دِينٍ وَاحِدٍ عَامٍّ، فَالْمُنَاسَبَةُ حَاصِلَةٌ مَعَ جُمْلَةِ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [الْبَقَرَة: 208] بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا خِطَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ أَيِ ادْخُلُوا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 299
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست