responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 112
سَنابِلَ [الْبَقَرَة: 261] وَإِنَّمَا الَّذِي يُقَابِلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي جَانِبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ هُوَ زَارِعُ الْحَبَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي اللَّفْظِ أَصْلًا وَقَالَ تَعَالَى: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ [الْبَقَرَة: 264] الْآيَةَ، وَالَّذِي يُقَابِلُ الصَّفْوَانَ فِي جَانِبِ الْمُشَبَّهِ هُوَ الْمَالُ الْمُنْفَقُ لَا الَّذِي يُنْفِقُ،
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ»
إِلَخْ، وَالَّذِي يُقَابِلُ الرَّجُلَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ فِي جَانِبِ الْمُشَبَّهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ثَوَابِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ آمَنَ قَبْلَنَا، وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي جَانِبِ الْمُشَبَّهِ أَصْلًا، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ جِدًّا، وَعَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرَاتُ الْوَاقِعَةُ لِلْمُفَسِّرِينَ هُنَا تَقَادِيرُ لِبَيَانِ الْمَعْنَى، وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَشْبِيهَ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ بِحَالِ الَّذِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ، أَوْ تَشْبِيهَ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي إِقْبَالِهِمْ عَلَى الْأَصْنَامِ بِحَالِ الدَّاعِي لِلْغَنَمِ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْغَنَمُ تَسْمَعُ صَوْتَ الدُّعَاءِ وَالنِّدَاءِ وَلَا تَفْهَمُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ النَّاعِقُ، وَالْمُشْرِكُونَ لَمْ يَهْتَدُوا بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: إِلَّا دُعاءً وَنِداءً مِنْ تَكْمِلَةِ أَوْصَافِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ التَّمْثِيلِيِّ فِي جَانِبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَذَلِكَ صَالِحٌ لِأَنْ يَكُونَ مُجَرَّدَ إِتْمَامٍ لِلتَّشْبِيهِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ تَشْبِيهَ الْمُشْرِكِينَ بِقِلَّةِ الْإِدْرَاكِ، وَلِأَنْ يَكُونَ احْتِرَاسًا فِي التَّشْبِيهِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ تَشْبِيهَ الْأَصْنَامِ حِينَ يَدْعُوهَا الْمُشْرِكُونَ بِالْغَنَمِ حِينَ يَنْعِقُ بِهَا رُعَاتُهَا فَهِيَ لَا تَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَسْمَعُ لَا دُعَاءً وَلَا نِدَاءً فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [الْبَقَرَة: 74] ثُمَّ قَالَ:
وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ [الْبَقَرَة: 74] .
وَقَدْ جَوَّزَ الْمُفَسِّرُونَ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ عَلَى إِحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ، وَعِنْدِي أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ وَلَعَلَّهُ مِنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّشْبِيهَ التَّمْثِيلِيَّ يَحْتَمِلُ كُلَّ مَا حَمَّلْتُهُ مِنَ الْهَيْئَةِ كُلِّهَا، وَهَيْئَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي تلقي الدعْوَة مُشْتَمِلَة عَلَى إِعْرَاضٍ عَنْهَا وَإِقْبَالٍ عَلَى
دِينِهِمْ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ [الْبَقَرَة:
170] الْآيَةَ، فَهَذِهِ الْحَالَةُ كُلُّهَا تُشْبِهُ حَالَ النَّاعِقِ بِمَا لَا يسمع، فالنبي يَدْعُوهُمْ كَنَاعِقٍ بِغَنَمٍ لَا تَفْقَهُ دَلِيلًا، وَهُمْ يَدْعُونَ أَصْنَامَهُمْ كَنَاعِقٍ بِغَنَمٍ لَا تَفْقَهُ شَيْئًا. وَمِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ صُلُوحِيَّةُ آيَاتِهِ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ يَفْرِضُهَا السَّامِعُ.
وَالنَّعْقُ نِدَاءُ الْغَنَمِ وَفِعْلُهُ كَضَرَبَ وَمَنَعَ وَلَمْ يُقْرَأْ إِلَّا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فَلَعَلَّ وَزْنَ ضَرَبَ فِيهِ أَفْصَحُ وَإِنْ كَانَ وَزْنُ مَنَعَ أَقْيَسَ، وَقَدْ أَخَذَ الْأَخْطَلُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ يَصِفُ جَرِيرًا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 112
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست