responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 111
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ [الْبَقَرَة: 170] ، عُقِّبَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِتَمْثِيلِ فَظِيعِ حَالِهِمْ إِبْلَاغًا فِي الْبَيَانِ وَاسْتِحْضَارًا لَهُمْ بِالْمِثَالِ، وَفَائِدَةُ التَّمْثِيلِ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا [الْبَقَرَة:
17] . وَإِنَّمَا عَطَفَهُ بِالْوَاوِ هُنَا وَلَمْ يُفَصِّلْهُ كَمَا فُصِّلَ قَوْلُهُ: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا لِأَنَّهُ أُرِيدَ هُنَا جَعْلُ هَذِهِ صِفَةً مُسْتَقِلَّةً لَهُمْ فِي تَلَقِّي دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ لَمْ يَعْطِفْهُ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ.
وَالْمَثَلُ هُنَا لَمَّا أُضِيفَ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا كَانَ ظَاهِرًا فِي تَشْبِيهِ حَالِهِمْ عِنْدَ سَمَاعِ دَعْوَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ بِحَالِ الْأَنْعَامِ عِنْدَ سَمَاعِ دَعْوَةِ مَنْ يَنْعِقُ بِهَا فِي أَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ إِلَّا أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ إِلَى مُتَابَعَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَبَصُّرٍ فِي دَلَائِلِ صِدْقِهِ وَصِحَّةِ دِينِهِ، فَكُلٌّ مِنَ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَالْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَشْيَاءَ: دَاعٍ وَمَدْعُوٍّ وَدَعْوَةٍ، وَفَهْمٍ وَإِعْرَاضٍ وَتَصْمِيمٍ، وَكُلٌّ مِنْ هَاتِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ صَالِحٌ لِأَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَهَذَا مِنْ أَبْدَعِ التَّمْثِيلِ وَقَدْ أَوْجَزَتْهُ الْآيَةُ إِيجَازًا بَدِيعًا، وَالْمَقْصُودُ ابْتِدَاءً هُوَ تَشْبِيهُ حَالِ الْكُفَّارِ لَا مَحَالَةَ، وَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ تَشْبِيهُ حَالِ النَّبِيءِ وَحَالِ دَعْوَتِهِ، وَلِلْكُفَّارِ هُنَا حَالَتَانِ: إِحْدَاهُمَا حَالَةُ الْإِعْرَاضِ عَنْ دَاعِي الْإِسْلَامِ، وَالثَّانِيَةُ حَالَةُ الْإِقْبَالِ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَقَدْ تَضَمَّنَتِ الْحَالَتَيْنِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا [الْبَقَرَة: 170] وَأَعْظَمُهُ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ، فَجَاءَ هَذَا الْمَثَلُ بَيَانًا لِمَا طُوِيَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ.
فَإِنْ قُلْتَ: مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ غَنَمِ الَّذِي يَنْعِقُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ هُمُ الْمُشَبَّهُونَ وَالَّذِي يَنْعَقُ يُشْبِهُهُ دَاعِي الْكفَّار فَلَمَّا ذَا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ؟ وَهَلْ هَذَا الْأُسْلُوبُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْبِيهُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ لَهُمْ بِالَّذِي يَنْعِقُ؟ قُلْتُ: كِلَا
الْأَمْرَيْنِ مُنْتَفٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَمَثَلُ الَّذِينَ، صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَشْبِيهُ هَيْئَةٍ بِهَيْئَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ [الْبَقَرَة: 17] ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ أَجْزَاءُ الْمُرَكَّبَيْنِ غَيْرَ مَنْظُورٍ إِلَيْهَا اسْتِقْلَالًا وَأَيُّهَا ذَكَرْتَ فِي جَانِبِ الْمركب المشبّه والمربه الْمُشَبَّهِ بِهِ أَجْزَأَكَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْغَالِبُ أَنْ يَبْدَءُوا الْجُمْلَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمُرَكَّبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِمَا يُقَابِلُ الْمَذْكُورَ فِي الْمُرَكَّبِ الْمُشَبَّهِ نَحْوِ: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا وَقَدْ لَا يَلْتَزِمُونَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى: ثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
[آل عمرَان:
117] الْآيَةَ. وَالَّذِي يُقَابل ايُنْفِقُونَ
فِي جَانِبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ هُوَ قَوْله: رْثَ قَوْمٍ
[آل عمرَان: 177] وَقَالَ: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 111
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست