responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 73
[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 68 إِلَى 69]
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69)
هَذَا قِسْمٌ آخَرُ مِنْ صِفَات عباد الرحمان، وَهُوَ قِسْمُ التَّخَلِّي عَنِ الْمَفَاسِدِ الَّتِي كَانَتْ مُلَازِمَةً لِقَوْمِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَتَنَزَّهَ عِبَادُ الرَّحْمَنِ عَنْهَا بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ، وَذُكِرَ هُنَا تَنَزُّهُهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالزِّنَا، وَهَذِهِ الْقَبَائِحُ الثَّلَاثُ كَانَتْ غَالِبَةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
وَوَصْفُ النَّفْسِ بِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بَيَان لِحُرْمَةِ النَّفْسِ الَّتِي تَقَرَّرَتْ مِنْ عَهْدِ آدَمَ فِيمَا
حَكَى اللَّهُ من محاورة وَلَدي آدَمَ بِقَوْلِهِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [الْمَائِدَة: 27] الْآيَاتِ، فَتَقَرَّرَ تَحْرِيمُ قَتْلِ النَّفْسِ مِنْ أَقْدَمِ أَزْمَانِ الْبَشَرِ وَلَمْ يَجْهَلْهُ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، فَذَلِكَ مَعْنَى وَصْفِ النَّفْسِ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ. وَكَانَ قَتْلُ النَّفْسِ مُتَفَشِّيًا فِي الْعَرَبِ بِالْعَدَاوَاتِ، وَالْغَارَاتِ، وَبِالْوَأْدِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْقَبَائِلِ بَنَاتِهِمْ، وَبِالْقَتْلِ لِفَرْطِ الْغَيْرَةِ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا إِلَيْهَا وَمَعْشَرًا ... عَلَيَّ حُرَّاصًا لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي
وَقَالَ عَنْتَرَةُ:
عُلِّقْتُهَا عَرْضًا وَأَقْتُلُ قَوْمَهَا ... زَعْمًا لَعَمْرُ أَبِيكَ لَيْسَ بِمَزْعَمِ
وَقَوْلُهُ إِلَّا بِالْحَقِّ الْمُرَادُ بِهِ يَوْمَئِذٍ: قَتْلُ قَاتِلِ أَحَدِهِمْ، وَهُوَ تَهْيِئَةٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْجِهَادِ عَقِبَ مُدَّةِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ. وَلَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ سُلْطَانٌ لِإِقَامَةِ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ. وَمَضَى الْكَلَام على الزِّنَا فِي سُورَةِ سُبْحَانَ.
وَقَدْ جُمِعَ التَّخَلِّي عَنْ هَذِهِ الْجَرَائِمِ الثَّلَاثِ فِي صِلَةِ مَوْصُولٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُكَرَّرِ اسْمُ الْمَوْصُولِ كَمَا كُرِّرَ فِي ذِكْرِ خِصَالِ تَحَلِّيهِمْ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ لَمَّا أَقْلَعُوا عَنِ الشِّرْكِ وَلَمْ يَدْعُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَقَدْ أَقْلَعُوا عَنْ أَشَدِّ الْقَبَائِحِ لُصُوقًا بِالشِّرْكِ وَذَلِكَ قتل النَّفس وَالزِّنَا.
فَجَعَلَ ذَلِكَ شَبِيهَ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَجُعِلَ فِي صِلَةِ مَوْصُولٍ وَاحِدٍ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 19  صفحه : 73
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست