responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 180
ثُمَّ حَذَّرَهُمْ عَذَابَ اللَّهِ، وَأَبْرَزَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْخَوْفِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ، إِذْ كَانَ رَاجِيًا لِإِيمَانِهِمْ، فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِمْ أَنْ قَالُوا: سَواءٌ عَلَيْنا وَعْظُكَ وَعَدَمُهُ، وَجَعَلُوا قَوْلَهُ وَعْظًا، إِذْ لَمْ يَعْتَقِدُوا صحة ما جاء به، وَأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَاهُ، وَقَوْلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْفَافِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِمَا خَوَّفَهُمْ بِهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَعَظْتَ، بِإِظْهَارِ الظَّاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيِّ، وَعَاصِمٍ: إِدْغَامُ الظَّاءِ فِي التَّاءِ. وَبِالْإِدْغَامِ، قَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَالْأَعْمَشُ إِلَّا أَنَّ الْأَعْمَشَ زَادَ ضَمِيرَ الْمَفْعُولِ فَقَرَأَ: أَوَعَظْتَنَا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِخْفَاءً، لِأَنَّ الظَّاءَ مَجْهُورَةٌ مُطْبِقَةٌ، وَالتَّاءُ مَهْمُوسَةٌ مُنْفَتِحَةٌ، فَالظَّاءُ أَقْوَى مِنَ التَّاءِ، وَالْإِدْغَامُ إِنَّمَا يَحْسُنُ فِي الْمُتَمَاثِلَيْنِ، أَوْ فِي الْمُتَقَارِبَيْنِ، إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ أَنْقَصَ مِنَ الثَّانِي. وَأَمَّا إِدْغَامُ الْأَقْوَى فِي الْأَضْعَفِ، فَلَا يَحْسُنُ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِنَقْلِ الثِّقَاتِ، فَوَجَبَ قَبُولُهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا هُوَ أَفْصَحُ وَأَقْيَسُ.
وَعَادَلَ أَوَعَظْتَ بِقَوْلِهِ: أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُعَادِلُهُ: أَمْ لَمْ تَعِظْ. كَمَا قَالَ: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا [1] لِأَجْلِ الْفَاصِلَةِ، كَمَا عَادَلَتْ فِي قَوْلِهِ:
سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ [2] ، وَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ أَمْ صَمَتُّمْ، وَكَثِيرًا مَا يَحْسُنُ مَعَ الْفَوَاصِلِ مَا لَا يَحْسُنُ دُونَهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، يَعْنِي بَيْنَ مَا جَاءَ فِي الْآيَةِ وَهِيَ: أَمْ لَمْ تَعِظْ، قَالَ: لِأَنَّ الْمُرَادَ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَفَعَلْتَ هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ الْوَعْظُ أَمْ لَمْ تَكُنْ أَصْلًا مِنْ أَهْلِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي قِلَّةِ اعْتِدَادِهِمْ بِوَعْظِهِ مِنْ قَوْلِكَ: أَمْ لَمْ تَعِظْ.
وَلَمَّا لَمْ يُبَالُوا بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَبِمَا ذَكَّرَهُمْ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَتَخْوِيفِهِ الِانْتِقَامَ مِنْهُمْ، أَجَابُوهُ بِأَنْ قَالُوا: إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَلْقَمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَالْكِسَائِيُّ: خَلْقُ، بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ، فَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنْ هَذَا الَّذِي تَقُولُهُ وَتَدَّعِيهِ إِلَّا اخْتِلَاقُ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْكَذَبَةِ قَبْلَكَ، فَأَنْتَ عَلَى مَنَاهِجِهِمْ. وَرَوَى عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ الْأَوَّلِينَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: ما هي الْبِنْيَةُ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا إِلَّا الْبِنْيَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَوَّلُونَ، حَيَاةٌ وَمَوْتٌ وَلَا بَعْثَ وَلَا تَعْذِيبَ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ: خُلُقُ، بِضَمَّتَيْنِ وَأَبُو قِلَابَةَ، وَالْأَصْمَعِيُّ عَنْ نَافِعٍ: بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَتَحْتَمِلُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ ذَيْنِكَ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي خُلُقُ.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ،

[1] سورة ابراهيم: 14/ 21.
[2] سورة الأعراف: 7/ 193.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 180
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست