responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 3  صفحه : 96
قِيلَ: وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَعْقِلُ جِنَايَةَ الْمُسْلِمِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ لَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُوَالَاةِ وَالنُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةِ.
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَطْشَهُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: نَفْسَهُ أَيْ: إِيَّاهُ تَعَالَى، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
يَوْمًا بِأَجْوَدَ نَائِلًا مِنْهُ إِذَا ... نَفْسُ الْجَبَانِ تَجَهَّمَتْ سُؤَالُهُا
أَرَادَ إِذَا الْبَخِيلُ تَجَهَّمَ سُؤَالُهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ مُخَاطَبَةٌ عَلَى مَعْهُودِ مَا يَفْهَمُهُ الْبَشَرُ، وَالنَّفْسُ فِي مِثْلِ هَذَا رَاجِعٌ إِلَى الذَّاتِ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ مُضَافٌ لِأَنَّ التَّحْذِيرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عِقَابٍ وَتَنْكِيلٍ وَنَحْوِهِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ عِقَابَهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَلَمَّا نَهَاهُمْ تَعَالَى عَنِ اتِّخَاذِ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ، حَذَّرَهُمْ مِنْ مُخَالَفَتِهِ بِمُوَالَاةِ أَعَدَائِهِ قَالَ:
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ أَيْ: صَيْرُورَتُكُمْ وَرُجُوعُكُمْ، فَيُجَازِيكُمْ إِنِ ارْتَكَبْتُمْ مُوَالَاتِهُمْ بَعْدَ النَّهْيِ. وَفِي ذَلِكَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ شَدِيدٌ.
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَاخِرِ آيِ الْبَقَرَةِ، وَهُنَاكَ قُدِّمَ الْإِبْدَاءُ عَلَى الْإِخْفَاءِ، وَهُنَا قُدِّمَ الْإِخْفَاءُ عَلَى الْإِبْدَاءِ، وَجَعَلَ مَحَلَّهُمَا مَا فِي الصُّدُورِ، وَأَتَى جَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ: يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَذَلِكَ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْفَصَاحَةِ. وَالْمَفْهُومُ أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ، لَا يَتَفَاوَتُ عِلْمُهُ تَعَالَى بِخَفَايَاهَا، وَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا فِيهَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شرًا فَشَرٌّ. وَفِي ذَلِكَ تَأْكِيدٌ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ، وَتَحْذِيرٌ مِنْ ذَلِكَ.
وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ، وَذِكْرِ عُمُومٍ بَعْدَ خُصُوصٍ، فَصَارَ عِلْمُهُ بِمَا فِي صُدُورِهِمْ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، أَحَدُهُمَا:
بِالْخُصُوصِ، وَالْآخَرُ: بِالْعُمُومِ، إِذْ هُمْ مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ.
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِيهِ تَحْذِيرٌ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى عِلْمِهِ تَعَالَى بِأَحْوَالِهِمْ مِنَ الْمُجَازَاةِ عَلَى مَا أَكَنَّتْهُ صُدُورُهُمْ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ لِأَنَّ نَفْسَهُ، وَهِيَ ذَاتُهُ الْمُتَمَيِّزَةُ مِنْ سَائِرِ الذَّوَاتِ، مُتَّصِفَةٌ بِعِلْمٍ ذَاتِيٍّ لَا يَخْتَصُّ بِمَعْلُومٍ دُونَ مَعْلُومٍ، فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَعْلُومَاتِ كُلِّهَا وَبِقُدْرَةٍ ذَاتِيَّةٍ لَا تَخْتَصُّ بِمَقْدُورٍ دُونَ مَقْدُورٍ، فَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى الْمَقْدُورَاتِ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 3  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست