responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 3  صفحه : 95
وظاهر الآية يقتضي جواز مُوَالَاتِهِمْ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْهُمْ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا فِي التَّقِيَّةِ، إِذْ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْآيَةِ، فَقَالُوا: أَمَّا الْمُوَالَاةُ بِالْقَلْبِ فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي تَحْرِيمِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُوَالَاةُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ، وَنُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّظَرُ فِي التَّقِيَّةِ يَكُونُ فِيمَنْ يُتَّقَى مِنْهُ؟ وَفِيمَا يُبِيحُهَا؟ وَبِأَيِّ شَيْءٍ تَكُونُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ؟ فَأَمَّا مَنْ يُتَّقَى مِنْهُ فَكُلُّ قَادِرٍ غَالِبٍ يُكْرَهُ بِجَوْرٍ مِنْهُ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ: الْكُفَّارُ، وَجَوَرَةُ الرُّؤَسَاءِ، وَالسَّلَّابَةُ، وَأَهْلُ الْجَاهِ فِي الْحَوَاضِرِ. قَالَ مَالِكٌ: وَزَوْجُ الْمَرْأَةِ قَدْ يُكْرَهُ وَأَمَّا ما يببحها: فَالْقَتْلُ، وَالْخَوْفُ عَلَى الْجَوَارِحِ، وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ، وَالْوَعِيدُ، وَعَدَاوَةُ أَهْلِ الْجَاهِ الْجَوْرَةِ. وَأَمَّا بِأَيِّ شَيْءٍ تَكُونُ مِنَ الْأَقْوَالِ؟ فَبِالْكُفْرِ فَمَا دُونَهُ مِنْ: بَيْعٍ، وَهِبَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مِنَ الْأَفْعَالِ: فَكُلُّ مُحَرَّمٍ.
وَقَالَ مَسْرُوقٌ: إِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ دَخْلَ النَّارَ، وَهَذَا شَاذٌّ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: التَّقِيَّةُ تَكُونُ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالرَّبِيعِ، وَالضَّحَّاكِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: التَّقِيَّةُ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ أَظْهَرَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ أَمْرٍ فِيهِ إِعْزَازُ الدِّينِ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ: إِنْ عُرِضْتَ عَلَى السَّيْفِ تُجِيبُ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ: إِذَا أَجَابَ الْعَالِمُ تَقِيَّةً، وَالْجَاهِلُ يَجْهَلُ، فَمَتَى يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ؟ وَالَّذِي نَقَلَ إِلَيْنَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ، وَتَابِعِيَهُمْ، بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ. وَأَنَّهُمْ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَلَا سَطْوَةَ جَبَّارٍ ظَالِمٍ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ: إِنَّمَا تَجُوزُ التَّقِيَّةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ وَالدِّينِ، وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ ضَرُورَةً إِلَى الْغَيْرِ: كَالْقَتْلِ، وَالزِّنَا، وَغَصْبِ الْأَمْوَالِ، وَالشَّهَادَةِ بِالزُّورِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَاطِّلَاعِ الْكُفَّارِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَغَيْرُ جَائِزٍ الْبَتَّةَ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَعَ الْكُفَّارِ الْغَالِبِينَ، إِلَّا أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْحَالَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا شَاكَلَتِ الْحَالَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ جَازَتِ التَّقِيَّةُ مُحَامَاةً عَنِ النَّفْسِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ لِصَوْنِ النَّفْسِ وَالْمَالِ. انْتَهَى.
قِيلَ: وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ فِي شَيْءٍ، فَإِذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفٍ وَلَا تَزَوُّجٍ وَلَا غَيْرِهِ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 3  صفحه : 95
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست