6- قاعدة "الكمال" أو ما يسميه أحيانا "قياس الأولى"، وقد شرح ذلك في مناسبات مختلفة، لكنه أفرد لذلك رسالة عظيمة نافعة، أجاب فيها على سؤال ورد عليه، وصيغة السؤال الطويل - الذي ورد في ثلاث صفحات - تدل على أن صاحبه من العلماء أو من طلبة العلم ممن ليس مبتدئا في هذا الشأن. وقد جاء جواب شيخ الإسلام واضحا ومقعدا، يقول -رحمه الله-: الجواب عن هذا السؤال مبني على مقدمتين:
إحداهما: أن يعلم أن الكمال ثابت لله، بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية، بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تعالى، يستحقه بنفسه المقدسة، وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه، فثبوت الحياة يستلزم نفي الموت، وثبوت العلم يستلزم نفي الجهل، وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز، وغن هذا الكمال ثابت له بمقتضى الأدلة العقلية والبراهين اليقينية، مع دلالة السمع على ذلك، ودلالة القرآن على الأمور نوعان: أحدهما: خبر الله الصادق، فما أخبر الله ورسوله به فهو حق كما أخبر الله به، والثاني: دلالة القرآن بضرب الأمثال وبيان الأدلة العقلية الدالة على المطلوب، فهذه دلالة شرعية عقلية، فهي شرعية لأن الشرع دل عليها، وأرشدنا إليها، وعقلية: لأنها تعلم صحتها بالعقل، ولا يقال: إنها لم تعلم إلا بمجرد الخبر، وإذا أخبر الله بالشيء ودل عليه بالدلالات العقلية صار مدلولا عليه بخبره، ومدلولا عليه بدليله العقلي الذي يعلم به، فيصير ثابتا بالسمع والعقل، وكلاهما داخل في دلالة القرآن التي تسمى "الدلالة الشرعية"، وثبوت "معنى الكمال" قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة، دالة على معاني متضمنة لهذا المعنى، فما في القرآن من إثبات الحمد له، وتفصيل محامده، وإن له المثل الأعلى، وإثبات معاني أسمائه ونحو ذلك دال على هذا المعنى" [1] ، ثم شرح ذلك وذكر الأدلة العقلية والشرعية عليه، فذكر لفظ "الكامل" وهل ورد - والخلاف حوله - وأدلة إثبات العقل للكمال لله من وجوه، والمثل الأعلى، وأدلة الشرع على ذلك، ودلالة إثبات أن الحمد لله "الحمد" وأنه "حميد مجيد" على ذلك [2] ، ثم قال: [1] الرسالة الأكملية، مجموع الفتاوى (6/71-72) . [2] انظر نفس الرسالة (6/72-84) .