"أما المقدمة الثانية " فنقول: لابد من اعتبار أمرين:
أحدهما: أن يكون الكمال ممكن الوجود. الثاني: أن يكون سليما من النقص، فإن النقص ممتنع على الله [1] .ثم يجيب عن السؤال الذي يرد حول هذه القاعدة وهو: أن النقص والكمال من الأمور النسبية، فالأكل والشرب والنكاح كمال للمخلوق نقص للخالق والكبر والتعاظم والثناء على النفس نقص للمخلوق كمال للخالق، فيقول:" وأما الشرط الآخر وهو قولنا: الكمال الذي لا يتضمن نقصا - على التعبير بالعبارة السديدة - أو الكمال الذي لا يتضمن نقصا يمكن انتقاؤه - على عبارة من يجعل ما ليس بنقص نقصا -، فاحترز عما هو لبعض المخلوقات كمال دون بعض، وهو نقض بالإضافة إلى الخالق لاستلزامه نقصا، كالأكل والشرب مثلا، فإن الصحيح الذي يشتهي الأكل والشرب من الحيوان أكمل من المريض الذي لا يشتهي الأكل والشرب، لأن قوامه بالأكل والشرب، فإذا قدر غير قابل له كان ناقصا عن القابل لهذا الكمال، لكن هذا يستلزم حاجة الآكل والشارب إلى غيره، وهو ما يدخل فيه الطعام والشراب، وهو مستلزم الخروج شيء منه كالفضلات، وما لا يحتاج إلى دخول شيء فيه أكمل مما يحتاج إلى دخول شيء فيه، وما يتوقف كماله على غيره أنقص مما لا يحتاج في كماله إلى غيره، فإن الغني عن الشيء أعلى من الغني به، والغني بنفسه أكمل من الغني بغيره، ولهذا كان من الكمالات ما هو كمال للمخلوق وهو نقص بالنسبة إلى الخالق، وهو: كل ما كان مستلزما لامكان العدم عليه المنافي لوجوبه وقيوميته، أو مستلزما للحدوث المنافي لقدمه، أو مستلزما لفقره المنافي لغناه" [2] .
7- وهناك قواعد أخرى - في منهجه - نشير إليها هنا سترد إن شاء الله مفصلة في موقفه من الأشاعرة في الصفات. ومنها: [1] الرسالة الأكملية، مجموع الفتاوى (6/85) . [2] انظر نفس الرسالة (6/87)