فلما خرجنا من عند أنس وقلت لبعض أصحابنا لو مررنا بالحسن، وهو متوارٍ في منزل أبي خليفة فحدثناه بما حدثنا به أنس بن مالك فأتيناه فسلمنا عليه، فأذن لنا، فقلنا له: يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه؟
فحدثنا بالحديث، فانتهى إلى هذا الموضع، فقال: هيه؟ فقلنا له لم يزد لنا على هذا، فقال: لقد حدثني وهو يومئذ جميع، منذ عشرين سنة فما أدري، أنسي، أم كره أن تتكلوا؟ فقلنا: يا أبا سعيد، فحدثنا، فضحك وقال: خلق الإنسان عجولاً ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم به، قال: "ثم أعود الرابعة، فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله". فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله"1.
فهذا الحديث: وأمثاله من الأحاديث الواردة في شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته بلغت مبلغ التواتر ورغم ذلك فقد خفي علم ذلك على الخوارج والمعتزلة، فخالفوا في ذلك، لجهلهم بصحة الأحاديث، وعناداً ممن علم ذلك واستمر على بدعته، وهذه الشفاعة، تشاركه فيها الملائكة والنبيون والمؤمنون2 أيضاً.
للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً قال: "فيقول الله ـ تعالى ـ شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط" 3.
قال شارح الطحاوية: "ثم إن الناس في الشفاعة على ثلاثة أقوال:
فالمشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ وغيرهم: يجعلون شفاعة من يعظمونه عند الله كالشفاعة المعروفة في الدنيا. والمعتزلة والخوارج أنكروا شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر.
1- 1/182 ـ 184.
2- انظر النهاية لابن كثير 2/180.
3- 1/170، صحيح البخاري 4/286.