وأما أهل السنة والجماعة، فيقرون بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر وشفاعة غيره لكن لا يشفع أحد حتى يأذن الله له ويحد له حداً كما في الحديث الصحيح حديث "الشفاعة" "إنهم يأتون آدم ثم نوحاً، ثم إبراهيم ثم موسى، ثم عيسى، فيقول لهم عيسى عليه السلام: "اذهبوا إلى محمد، فإنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأذهب فإذا رأيت ربي خررت له ساجداً فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن، فيقول: أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع، واشفع تشفع، فأقول: ربي: أمتي، فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، ثم انطلق فأسجد، فيحد لي حداً"1 ذكرها ثلاث مرات" أ. هـ2.
والذي نخلص إليه مما تقدم أن الشفاعة التي نفاها القرآن هي الشفاعة التي تعلق بها المشركون الذين اتخذوا من دون الله، الشفعاء، والأولياء، فعاملهم الله بنقيض قصدهم من شفعائهم. وأما الشفاعة المثبتة التي أثبتها القرآن فهي التي يفوز بها الموحدون والتي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لأبي هريرة رضي الله عنه حين سأله عنها: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: "أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه"3.
فتأمل كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته تجريد التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك، وذلك عكس ما عند المشركين: حيث زعموا أن الشفاعة تنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء، وعبادتهم وموالاتهم من دون الله، وقد أبطل الله هذا الزعم في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه لا تطلب الشفاعة إلا منه ـ تبارك وتعالى ـ ولا يعبد إلا هو ـ سبحانه ـ ولا ولاء إلا له ـ جل وعلا ـ والمتأمل لحديث أبي هريرة السابق يرى أنه قلب المفهوم الذي يتصوره المشركون، وأبان للناس أجمعين مسلمهم وكافرهم أن سبب الشفاعة الوحيد هو تجريد التوحيد، وحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع وبالله التوفيق، وهو المستعان.
1- صحيح البخاري 4/286 ـ 287، صحيح مسلم 1/180 ـ 182.
2- شرح الطحاوية ص360.
3- صحيح البخاري مع الفتح 11/418، وأحمد في المسند 2/373.