كحال المنافقين. كما قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً} [1]. وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام. وقد يصدر في الصدقة أو الحج الواجب أو غيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه. وذكر أحاديث تدل على ذلك منها: هذا الحديث وحديث شداد بن أوس مرفوعا: " من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك، وإن الله عز وجل يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي، فمن أشرك بي شيئا فإن جِدّة عمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به. أنا عنه غني " [2]. رواه أحمد. وذكر أحاديث في المعنى ثم قال: فإن خالط نية الجهاد مثلا نية غير الرياء، مثل أخذ أجرة الخدمة، أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهاده ولم يبطل بالكلية.
قال ابن رجب: وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: التاجر والمستأجر والمكري أجرهم على قدر ما يخلص من نياتهم في غزواتهم، ولا يكونون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره.
وقال أيضا فيمن يأخذ جُعل الجهاد: إذا لم يخرج لأجل الدراهم فلا بأس، كأنه خرج لدينه إن أُعطي شيئا أخذه. وروى عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: " إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقا فلا بأس بذلك، وأما إن أحدكم أُعطي دراهم غزا وإن لم يعط لم يغز فلا خير في ذلك ".
وروي عن مجاهد -رحمه الله- أنه قال في حج الجمّال وحج الأجير، وحج التاجر: "هو تام لا ينقص من أجرهم شيء". أي لأن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب. قال: وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأ عليه نية الرياء، فإن كان خاطرا ثم دفعه فلا يضره بغير خلاف، وإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا فيجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير، ورجحا أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه
وعن أبي سعيد مرفوعا: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك الخفي: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل " [3] رواه أحمد.
يجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن وغيره. وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه سئل عن الرجل يعمل العمل من [1] سورة النساء آية: 142. [2] أحمد (4/ 125 , 126) ، والحاكم (4/ 329) . وقال الهيثمي: (10/ 221) : "وفيه شهر بن حوشب وثقه أحمد وغيره, وضعفه غير واحد". [3] ابن ماجه: الزهد (4204) .