قوله: "وقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 1".
قال ابن كثير -رحمه الله-: يقول الله تعالى ممتنا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولا من أنفسهم أي من جنسهم وعلى لغتهم، كما قال إبراهيم -عليه السلام-: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ} [2]. وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [3]. وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [4] أي منكم، كما قال جعفر ابن أبي طالب للنجاشي; والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى: " إن الله بعث فينا رسولا منا نعرف نسبه وصفته، ومدخله ومخرجه، وصدقه وأمانته " وذكر الحديث.
قال سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [5] قال: " لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية "[6].
وقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [7] أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها[8]، ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: " بعثت بالحنيفية السمحة "[9]. وفي الصحيح: " إن هذا الدين يسر "[10]. وشريعته كلها سمحة سهلة كاملة، يسيرة على من يسرها الله عليه.
1 سورة التوبة آية: 128-129. [2] سورة البقرة آية: 129. [3] سورة آل عمران آية: 164. [4] سورة التوبة آية: 128. [5] سورة التوبة آية: 128. [6] ثم ذكر ابن كثير الحديث: "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح". وقد وصل هذا من وجه آخر. كما قال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي في كتابه: الفاصل بين الراوي والواعي: وقد استدل بعض الجاهلين بهذا على إيمان آباء النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من عظيم جهلهم، فليس فيه أي دليل؛ لأن في البخاري من حديث عائشة أنهم كانوا في الجاهلية لهم نكاح هو نكاح الناس اليوم. [7] سورة التوبة آية: 128. [8] في قرة العيون: ووجه الدلالة بالآية أنه صلى الله عليه وسلم يعز عليه كل ما يؤثم الأمة ويشق عليهم، وأعظم ما يؤثم الأمة ويشق عليهم الشرك بالله قليله وكثيره، ووسائله وما يقرب منه من كبائر الذنوب، وقد بالغ صلى الله عليه وسلم في النهي عن الشرك وأسبابه أعظم مبالغة كما لا يخفى, وقد كانت هذه حالة أصحابه -رضي الله عنهم- في قطعهم الخيوط التي يرقى للمريض فيها، ونحو ذلك من تعليق التمائم. [9] حسن. جاء من طرق كثيرة كما قال المصنف: من حديث حبيب بن أبي ثابت مرسلا, ومن حديث أبي أمامة وجابر وعائشة موصولا. والحديث ضعفه الألباني في غاية المرام (8) من حديث جابر ومرسل حبيب فقط. وحسن بهما الحديث في بحث جيد تظهر عليه أمارات التأدب مع العلماء. ص (333: 335) . [10] جزء من حديث أخرجه البخاري: كتاب الإيمان (39) : باب الدين يسر. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.