قوله: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أي على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم. وعن أبي ذر رضي الله عنه[1] قال:
{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [2].
" تركنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علما "[3] أخرجه الطبراني. قال[4]: وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بينته لكم " [5].
وقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [6]، كما قال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [7]. وهكذا أمره تعالى في هذه الآية الكريمة، وهي قوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي عما جئتم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة {فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [8].
قلت: فاقتضت هذه الأوصاف التي وصف بها رسول الله صلي الله عليه وسلم في حق أمته أن أنذرهم وحذرهم الشرك الذي هو أعظم الذنوب، وبيّن لهم ذرائعه الموصلة إليه، وأبلغ في نهيهم عنها، ومن ذلك تعظيم القبور والغلو فيها، والصلاة عندها وإليها، ونحو ذلك مما يوصل إلى عبادتها كما تقدم، وكما سيأتي في أحاديث الباب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " [9] رواه أبو داود بإسناد حسن. ورواته ثقات. [1] ساق ابن كثير سند الطبراني إلى أبي ذر. [2] سورة التوبة آية: 128-129. [3] صحيح. الطبراني في الكبير [16471] ، وأخرجه أحمد أيضا (5/153,162) . وصححه الأرناؤوط في تخريج ابن حبان برقم (65) . [4] أي قال أبو ذر: وهو من رواية الطبراني أيضا. وقد ذكر الحافظ ابن كثير بعد هذا الحديث من طريق الإمام أحمد عن ابن عباس حديث الملكين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه. ثم ضربا له ولأمته المثل. وروى عدة أحاديث في هذا المعنى في رحمة النبي صلى الله عليه وسلم. [5] جاء الحديث بنحوه عن ابن مسعود مطولا وفيه: "ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به, ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه.." الحديث. أخرجه الحاكم (2/4) ، وذكره المنذري في الترغيب (3/7) ونسبه للحاكم فقط. وراجع كلام الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الحديث على كتاب الرسالة للشافعي ص (94,95) . [6] سورة التوبة آية: 128. [7] سورة الشعراء آية: 215-216-217. [8] سورة التوبة آية: 129. [9] أبو داود: المناسك (2042) , وأحمد (2/367) .