ومن اتبعه تقديم الشيخين والإقرار بفضلهما والبراءة من بني أمية وأهل الشام والمحاربين لعلي وسكت بشر عن رأيه في عثمان وعلي أو لم تبلغنا الأبيات [1] .
لكن حصل مراده بنفي تهمة الرفض عنه بما قاله عن الشيخين، وإن كان هذا لا يخرجه عن كونه خارجياً، فالخوارج يقدمون الشيخين ويرضونهما، ثم يبرأون ممن بعدهما.
والمقصود أن مفهوم المرجئة في ذلك الزمن، كان يطلق على المرجئة الأولى إيضاً، أي الإرجاء المتعلق بالصحابة.
على أن هناك إشكالاً بين ما تقرر هنا عامة وما ذكره القاضي المعتزلي عبد الجبار وهو قوله: "إن طائفة يقولون: إن الله تعالى يجوز أن يعفو عن الفاسق، ويجوز أن يعاقب، ولا يعلم حقيقة ذلك، وهو الذي تقوله المرجئة الأولى" [2] . فهذا إرجاء عام لا إرجاء المرجئة الأولى.
لكن الإشكال يزول إذا عرفنا أن ما كان يقوله المرجئة الأولى في خصوص الصحابة، قال به المتأخرون - أو بعضهم - في مرتكب الكبيرة عامة، وجعلوهما سواء - كما سبق - فالقاضي نسب القول للأصل، أو أنه الذي عمم ما خصصته المرجئة الأولى، فوضع الفاسق مطلقاً مكان "علي وعثمان" الوارد حكمهما في قصيدة ثابت وهو عدم القطع لهما بالعفو أو العقوبة.
والحاصل أن المرجئة الأولى كانت مقابلة للتشيع من وجه، لا سيما وأهل الشام - كما هو معلوم - لم يكونوا يرون كفر علي، وإنما كانوا - إذا غلوا - يرون البراءة منه وجواز مقاتلته، وهذا في نظر الشيعة يماثل موقف المرجئة منه، ومن هنا أطلقوا عليهم وصف الإرجاء ولا غرابة، فقد أطلقوه على أهل السنة عامة، لمجرد أنهم لا يفضلونه على الشيخين!!
ومن الطبيعي أن تثور الخصومة ويقوم الجدل بين الشيعة وبين حزب بني أمية من أهل الشام وغيرهم، وبهذا يفسر ما يوجد في كتب الأدب، من ذكر وقائع بين [1] الأبيات أوردها ابن المرتضى اليماني، وهي في الجزء المحقق باسم (المنية والأمل) ، ص153، تحقيق: محمد جواد مشكور، وانظر: الحيوان للجاحظ (4/455) ، تحقيق: عبد السلام هارون، حيث أورد طرفاً منها في هجاء الخوارج، ولبشر ترجمة في لسان الميزان (2/33) ، وسير أعلام النبلاء (10/203) [2] شرح الأصول الخمسة، ص650