لسنا من الرافضة الغلاة ... ولا من المرجئة الحفاة (1)
لا مفرطين بل نرى الصديقا ... مقدماً والمرتضى الفاروقا
نبرأ من عمرو ومن معاوية (2)
فالمعتزلة - كما هو معلوم - هم أقرب شيء إلى الخوارج في حكم مرتكب الكبيرة، إذ قالوا: إنه لا مؤمن ولا فاسق من حيث إطلاق الاسم، بل هو في منزلة بين المنزلتين، وأما من حيث العاقبة والمآل، فهم يتفقون مع الخوارج على أنه مخلد في النار أبداً كالكفار [3] !!
فخلافهم مع المرجئة في هذه المسألة خلاف تضاد، ولا موضع لتهمة المعتزلي بالإرجاء في الإيمان.
أما في مسألة الحكم على الصحابة المختلفين في الفتنة، فبعض المعتزلة الكبار كعمرو بن عبيد تبرأ من الطائفتين وقال: إحدى الطائفتين فاسقة لا بعينها [4] ، وهذا قريب من قول الخوارج، بل هو في الأصل قول بعض طوائفهم - كما سبق - لكن بتعديل وتحوير، ومعلوم أنه قول الروافض - أو بعضهم - بالنسبة للشيخين، ولعمرو ومعاوية، وإجمالاً لغير علي وطائفته.
ومن هنا جازت التهمة على بشر بأنه رافضي يتبرأ من الصحابة (أو مرجئي يرجئ أمرهم إلى الله معتبراً إياهم أصحاب كبائر، غير مقر بالشهادة لهم بالجنة) ، وحبسه الرشيد، ودافع بشر عن نفسه بأنه ليس من الرافضة الغلاة - والغلاة هنا وصف لا مفهوم له - وأيضاً ليس من المرجئة الحفاة، المتنقصين لحق الصحابة، مقابل غلو أولئك منهم، بل هو وسط بزعمه غير مفرط، وفسر هذا التوسط بأن عقيدته
(1) كذا بالمهملة ويصح أن يكون الجفاة، وهو أظهر في المراد.
(2) انظر الصفحة التالية. [3] انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي المعزلي عبد الجبار، ص711، 814 - تحقيق عبد الكريم عثمان [4] انظر منهاج السنة (4/145)