وقع من الصحابة من ذنوب ومعاصي أدى إلى ظهور مرجئة الخوارج، الذين يقولون بإرجاء عثمان وعلي رضي الله عنهما.
وانطلاقاً من القاعدة المتفق عليها عند الخوارج عامة وهي أنهما مرتكبي كبيرة، استمر الجدل بشأن مرتكب الكبيرة، مع تناسي الأشخاص تدريجياً، حتى أصبح موضوعه مرتكب الكبيرة عامة، حيث أصر غلاة الخوارج على تكفيره، وأصر هؤلاء على إرجائه، على ما سبق تفصيله.
فانتقل الأخيرون - ربما وهم لا يشعرون - إلى نقطة بعيدة جداً عن نقطة البداية، حيث تحولوا من الفكر الخارجي إلى نقيضه وبعضهم عادى الخوارج معاداة شديدة كالحال دائماً في الفئات المنشقة، مع أن فيه بذرة أو شعبة منه.
وهذا بدقة هو الحال مع ثابت قطنة فهو يصرح بتخطئة الخوارج، ويقرر أن العاصي الموحد لا يحكم عليه بالكفر، ومع ذلك يصرح بإرجاء علي وعثمان، ويشك في دخولهما الجنة، وهذا عين ما قالته في حقهما مرجئة الخوارج الأولون [1] .
وحال ثابت - مع ما سبق قبله - هو الذي يفسر التناقض المستمر بين أصحاب الإرجاء الأول وبين الشيعة، بخلاف الإرجاء بمفهومه العام المتداول، فبعض الشيعة من الغلاة فيه كما سيأتي، إذ ليس ثمة شك في أن ثابتاً في نظر الشيعة خارجي سافر سواء سموه كذلك أم سموه مرجئاً.
فهو على أيه حال "ناصبي غال" عندهم، كما أنه خارجي واضح في نظر أهل السنة، إذا نظرنا لموقفه من الخليفتين، مجرداً عما قرره من مبدأ في صاحب الكبيرة عامة (البيتين السادس والسابع) .
أما إذا نظرنا نظرة متكاملة - وهو الصواب - فلا شك أنه متناقض، وما كان أصحاب البدع إلا كذلك.
وعلى هذا المعنى للإرجاء نستطيع أن نفهم أبيات بشر بن المعتمر - رئيس معتزلة بغداد أيام الرشيد - فقد بلغ الرشيد عنه أنه رافضي، فسجنه فكتب في الحبس قصيدة رجزية طويلة تبلغ كما قيل أربعين ألف بيت، منها قوله: [1] فجمع بين التوسط في حكم مرتكب الكبيرة عامة وبين التشدد والشطط في الحكم على الخليفتين. أو فتوسطه في حكم مرتكب الكبيرة عامة مع اعتماد الخليفتين مرتكبي كبيرة أدى إلى الشطط في حكمه عليهما.