إلى ربهما، ولا ندري أهما من أهل الجنة أم من أهل النار، فالله يعلم ماذا يأتيان به يوم القيامة حين يحاسب كل إنسان على انفراد.
وأما فهم بعض الباحثين المعاصرين من القصيدة أن المرجئة "يرجئون الحكم على مرتكب الكبيرة، أي يؤخرونه ويجعلونه لله، ويرجئون العمل عن الإيمان، إذ إن الإيمان عندهم ألا يشرك الناس بالله الواحد الصمد، وهو في غنى عن العمل، خلافاً للخوارج الذين يرونهما - يعني العمل والإيمان - شيئاً واحداً لا وزن لأحدهما بدون الآخر، وعلى هذا فإن الخوارج مخطئون في هذا التصور، وعثمان وعلي وغيرهما مؤمنون، ولا يستطيعون الحكم على أحدهم بخطأ وكذلك جميع المسلمين لا يصح التعرض لهم بحكم، إذ يكفي أن يكونوا مسلمين، أما عملهم فذلك موكول إلى ربهم ولو لم يصوموا أو يصلوا أو يحجوا فهم مسلمون ولا يصح أن يطردوا من حظيرة الإسلام" [1] .
فهو بلا شك مبالغ فيه، أراد صاحبه أن يدخل عقيدة المرجئة بمفهوم الإرجاء العام، ضمن مفهوم هذه الأبيات، التي قصد بها قائلها الإرجاء الخاص بالصحابة "إرجاء المرجئة الأولى" الذي هو في أصله شعبة من الفكر الخارجي كما أوضحنا، لكن المؤلف في كتابه كله لم يستطع الفصل بين المفهومين.
وأحسب أن من يقرأ القصيدة دون تصور سابق، لا يفهم منها الاستهانة بالعمل والتفلت من الفرائض، بل العكس هو المنطوق، كيف وقد اعتبر ما وقع من عثمان وعلي من المعاصي - بزعمه - مبرراً لأن يخالف ما هو ثابت مشهور لدى الأمة قاطبة من فضلهما والشهادة لهما بالجنة؟
كما أن سيرة ثابت وحياته التي قضاها على الثغور ومجالدة الأعداء أقرب إلى سير الخوارج منها إلى غيرهم [2] .
والواقع أن اللبس حاصل من منطوق الأبيات فهي في الحقيقة متناقضة، وتناقضها هذا يعطينا شاهداً آخر على تطور بدعة الإرجاء - كما سبق أن قررنا في المبحث السابق - وذلك أن الجدل بين غلاة الخوارج ومتساهليهم (واقفتهم) بشأن ما [1] الدكتور نعمان القاضي، ص736 [2] لثابت قطنة سيرة جهادية رائعة، والبيت الثالث يدل على ذلك، وقد قتل فعلاً في معركة مع الترك. انظر الطبري (7/58)