هذا ولا يصح أن يكون إرجاء محارب هو تأخيره علي إلى الدرجة الرابعة في ترتيب خلافة الراشدين، كما ظن ذلك بعضهم، لأن هذا هو مذهب الجماعة وإجماع الأمة، وإنما إرجاؤه ما سبق، أما مصادر الشيعة فهي تعتبره كذلك، لكن لا عبرة بقولها، فهو فرع عن عقيدتها ودينها.
هذا وقد ذكر صاحب الأغاني أيضاً أن أحد الشيعة أشرف على الموت، فأظهرت المرجئة الشماتة به، فقال السيد الحميري قصيدة في مدح الشيعة، وهذا مما يدل على تنافس وعداء [1] .
ولعل ما يؤيد معرفة سفيان بن عيينة لهذا الطائفة، أن أحد شيوخه عاصم بن كليب الجرمي هو تلميذ لمحارب بن دثار، وقد كان على الإرجاء نفسه، كما وصفه بذلك شريك بن عبد الله، ومما يدل عليه قوله لأحدهم: "إنك خشبي"، والخشبية هم الرافضة أو طائفة منهم، فكأنه يدافع عن نفسه بأنه موقفه خير من الغلو في علي [2] .
ونجد إماماً فقيهاً آخر هو "ابراهيم النخعي"، وقد كان معاصراً لمحارب وأعدائه يتكلم عن هذه الطائفة.
فقد ذكر ابن سعد بسنده "أن رجلاً كان يأتي إبراهيم النخعي فيتعلم منه، فيسمع قوماً يذكرون أمر علي وعثمان، فقال: أنا أتعلم من هذا الرجل وأرى الناس مختلفين في أمر علي وعثمان؟ فسأل إبراهيم النخعي عن ذلك، فقال: ما أنا بسبئي ولا مرجئي" [3] .
أي لست من الشيعة - الذين أسس مذهبهم عبد الله بن سبأ كما هو معلوم - ولا من المرجئة الذين يقابلون غلو الشيعة بالإجحاف وعدم التولي له، يعني فهو من أتباع السلف أهل السنة، وأراد أن يعلم تلميذه أن يجتنب هاتين الفرقتين اللتين كانتا في الكوفة حينئذ.
وفي العصر نفسه نجد إماماً آخر مشهوراً هو "الشعبي" - الذي كان أول أمره خشبياً، ثم ترك ذلك وفضح كثيراً من أصول التشيع، لا سيما علاقته باليهود [4] - ينصح تلميذاً له قائلاً: "أحب صالح المؤمنين وصالح بني هاشم ولا تكن شيعياً، وأرج ما لم [1] الأغاني (7/275) [2] انظر ترجمته في: تهذيب الكمال للمزي، وتهذيب التهذيب (5/55) [3] الطبقات (6/192) [4] انظر ما رواه عنه مالك بن مغول في ذلك: منهاج السنة (1/6- 8)