تعلم ولا تكن مرجياً، واعلم أن الحسنة من الله والسيئة من نفسك ولا تكن قدرياً، وأحبب من رأيته يعمل الخير وإن كان أخرم سندياً" [1] .
فهو يحذره من الطوائف الأربع التي كانت معاصرة حينئذ: وهي الشيعة والمرجئة والقدرية والشعوبية، ويبين له أن الإنسان يكل علم ما لم يعلم إلى الله، لكن أمر عثمان وعلي رضي الله عنهما هو من المعلوم الثابت، وهو الشهادة لهما بالإيمان والجنة، وموالاتهما وعدم البراءة منهما، بخلاف ما تقوله المرجئة فيهما، كما سيأتي في أبيات شاعرهم ثابت قطنة.
وممن نسب إليه الإرجاء على هذا المعنى من رجال الحديث: "خالد بن سلمة الفأفاء"، وهو يروي عن الشعبي ويروي عن سفيان بن عيينة، قيل عنه: "كان مرجئاً يبغض علياً"، وعبارة الذهبي: "كان مرجئاً ينال من علي رضي الله عنه". (2)
ولا شك أن عدم تولي علي هو بغض له.
ولنأت الآن إلى قصيدة ثابت قطنة - شاعر المرجئة المشهور - التي وصفت بأنها الأثر الإرجائي الباقي، الذي يصور عقيدة هذه المرجئة وأفكارها [3] ، وهي:
يا هند إني أظن العيش قد نفدا ... ولا أرى الأمر إلا مدبراً نكدا
إني رهينة يوم لست سابقه ... إلا يكن يومنا هذا فقد أفِدا
بايعت ربي بيعاً إن وفيت به ... جاورت قتلى كراماً جاوروا أحدا
يا هند فاستمعي لي إن سيرتنا ... أن نعبد الله لا نشرك [4] به أحدا [1] الطبقات (6/173)
(2) الميزان (1/631) ، وهو من رجال مسلم، والسير (5/374) [3] الدكتور نعمان القاضي - الفرق الإسلامية في الشعر الأموي، ص 734 [4] في المحققة: " لم نشرك " وهو أبعد عن اللحن، والجزم للضرورة الشعرية