وافقت المعتزلة والخوارج أهل السنة في النوعين السابقين من أنواع الشَّفَاعَة، والسبب في ذلك أنه ليس في هذه الشَّفَاعَة إخراج أحد من النَّار فقاعدتهم -التي سبقت معنا- أن صاحب الكبيرة خالد مخلد في النار، والشَّفَاعَة الكبرى شفاعة المحشر، يثبتهاالمعتزلة، لأنهم لا يرون فيها تعارضاً مع ما أصَّلوه وهو: أن صاحب الذنب لا بدَّ أن يُجازى بذنبه وجوباً، فيدخل النَّار ولا يخرج منها عياذاً بالله، هكذا قررت عقولهم دون الرجوع إِلَى الآيات وإلى الأحاديث، ووافقهم عَلَى ذلك الخوارج.
بل وافقهم بعض التابعين مثل: يزيد بن الفقير كما في صحيح مسلم، وطلق بن حبيب كما في الأدب المفرد للبخاري يقول: "كنت أرى رأي الحرورية -أي: رأي الخوارج -ولا أؤمن بالشَّفَاعَة"، أو قَالَ: "وكنت من أشد النَّاس إنكاراً للشفاعة".
فبعض التابعين الذين لم يكونوا من الخوارج انقدحت في أذهانهم هذه الشبهة وهو أن صاحب المعصية لا بد أن يجازى فكيف يشفع فيه أحد، وذهلوا وغفلوا عن الآيات والأحاديث الواردة في هذا الشأن، حتى بيَّن لهم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين أدركوا ظهور هذه الشبهة وهذه البدعة، وممن أدرك ظهور بدعة إنكار الشَّفَاعَة من الصحابة جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما، وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس.
وقد أخبر عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "أنه سيأتي قوم ينكرون الشَّفَاعَة " والقصد أن هَؤُلاءِ الخوارج والمعتزلة أثبتوا هذه الشَّفَاعَة لأنه ليس فيها إخراج أحد من النَّار وإنما فيها زيادة استحقاق.