قي أذهانهم، وتقذرت قلوبهم بأقذار التشبيه، اضطروا بسببها إلى نفي صفة الاستواء فرارا من مشابهة الخلق التي افتروها على نصوص القرآن أنها هي ظاهرها. ونفي الصفة التي أثنى الله بها على نفسه من غير استناد إلى كتاب أو سنة هو البلية الثانية التي وقعوا فيها؛ فحملوا نصوص القرآن أولا على معان غير لائقة بالله، ثم نفوها من أصلها فراراً من المحذور الذي زعموا" [1].
ثم ذكر -رحمه الله- الخطأ الثالث الذي وقع فيه المنحرفون عن منهج السلف، فقال: "والبلية الثالثة: أنهم يفسرون الصفة التي نفوها بصفة أخرى من تلقاء أنفسهم، من غير استناد إلى وحي مع أن الصفة التي فسروها بها هي بالغة غاية التشبيه بالمخلوقين؛ فيقولون: "استوى" ظاهره مشابهة استواء المخلوقين فمعنى استوى: استولى، ويستدلون بقول الراجز في إطلاق الاستواء على الاستيلاء:
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق
ولا يدرون أنهم شبهوا استيلاء الله على عرشه الذي زعموه باستيلاء بشر بن مروان على العراق، فأي تشبيه بصفات المخلوقين أكبر من هذا؟. وهل يجوز لمسلم أن يشبه صفة الله التي هي الاستيلاء المزعوم بصفة بشر التي هي استيلاؤه على العراق؟ وصفة الاستيلاء من أوغل الصفات في التشبيه بصفات المخلوقين؛ لأن فيها التشبيه باستيلاء مالك الحمار على حماره. ومالك الشاة على شاته، ويدخل فيها كل مخلوق قهر مخلوقاً واستولى عليه، وفي هذا من أنواع التشبيه ما لا يحصيه إلا الله"[2].
وبعد ما ذكر الشيخ الأمين -رحمه الله- هذه الأمور الشنيعة التي وقع فيها [1] منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص48-49. وانظر: آداب البحث والمناظرة 2/133-134. [2] منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص46، 47، 48، 49.