وكيف أخاف الناس والله قابض على الناس والسبعين في راحة اليد
فمن علم مثل هذا من كون السموات والأرضين في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل. فإنه عالم بعظمة الله وجلاله، لا يسبق إلى ذهنه مشابهة صفاته لصفات الخلق. ومن كان كذلك زال عنه كثير من الإشكالات التي أشكلت على كثير من المتأخرين"[1].
وبعد أن ذكر الشيخ الأمين -رحمه الله- طريقة السلف، وبين أنها أعلم وأحكم وأسلم، وشرح لنا موقفهم من صفات الباري سبحانه وتعالى، وذكر أن معتقدهم هو المعتقد الذي لا يخيب معتقده، ولا يضل مسترشده، فهو طريق محقق السلامة. شرع يذكر لنا في المقابل مذهب الخلف، وما يترتب عليه من أخطاء شنيعة، تجعل معتقده يشطط عن الطريق السوي، فيتهجم على صفات الله قائلاً فيها بغير علم ولا هدى؛ فقال -رحمه الله-: "وأما ما يسمونه مذهب الخلف: فالحامل لهم فيه على نفي الصفات وتأويلها هو قصدهم تنزيه الله عن مشابهة الخلق، ولكنهم في محاولتهم لهذا التنزيه وقعوا في ثلاث بلايا ليست واحدة منها إلا وهي أكبر من أختها: الأولى من هذه البلايا الثلاث: أنهم إذا سمعوا قول الله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : زعموا أن ظاهر الاستواء في الآية هو مشابهة استواء المخلوقين؛ فتهجموا على ما وصف الله به نفسه في محكم كتابه، وادعوا عليه أن ظاهره المتبادر منه هو التشبيه بالمخلوقين في استوائهم؛ فكأنهم يقولون لله: هذا الاستواء الذي أثنيت به على نفسك في سبع آيات من كتابك ظاهره قذر نجس لا يليق بك؛ لأنه تشبيه بالمخلوقين، ولا شيء من الكلام أقذر وأنجس من تشبيه الخالق بخلقه، سبحانك هذا بهتان عظيم. وهذه البلية الأولى التي هي تهجم على نصوص الوحي، وادعاء أن ظاهرها تشبيه الخالق بالمخلوق، وناهيك بها بلية. ثم لما تقررت هذه البلية [1] أضواء البيان 2/321.