الطرق التي سلكها للنيل من العقيدة. فأجاب عن هذا السؤال بجوابين، يكفي واحد منهما لدمغ حجتهم، فقال: "الأول: أن يقال: هل عرفت كيفية الذات الكريمة المقدسة المتصفة بتلك الصفات؟ فلا بد أن يقول: لا. فإن قال: لا، قلنا له: معرفة كيفية الاتصاف بالصفات متوقفة على معرفة كيفية الذات؛ لأن الصفات تختلف باختلاف موصوفاتها؛ فكل صفة بحسب موصوفها" [1].
وفي هذه الإجابة تظهر لنا براعة الشيخ الأمين -رحمه الله-؛ فهو قد بدأ مع السائل وانطلق معه من قاعدة يتفقان عليها، وأوضح له أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات؛ فإذا كنت تثبت لله ذاتاً حقيقية لا تشبه ذوات خلقه، وهذا أمر نتفق عليه؛ إذ لا تشبه ذات الله الذوات، ولا نعلم كيفيتها، فمن البديهي إذاً أن صفات الله تختلف عن صفات خلقه، وأن لا نعلم كيفيتها. وحينئذ فليس أمام هذا المعترض إلا أن يرضخ أمام هذا الجواب المقنع، ويسلم.
ولم يكتف الشيخ -رحمه الله- بما سبق، بل أورد مثلاً فيه عبرة لمن أراد الله هدايته؛ برهاناً صادقاً مشاهداً في الوجود، وحجة بالغة، فقال: "ألا ترى –ولله المثل الأعلى- أن لفظة رأس مثلاً إذا أضفتها إلى الإنسان فقلت: رأس الإنسان، وأضفتها إلى الوادي أو أضفتها إلى الجبل فقلت: رأس الجبل، وأضفتها إلى المال فقلت: رأس المال: أن لفظة الرأس لفظة واحدة، وأنها اختلفت حقائقها اختلافاً عظيماً بحسب اختلاف إضافاتها. وهذا في اختلاف الإضافات إلى مخلوقات حقيرة، فما بالك بالاختلاف الواقع بين ما أضيف إلى الخالق وما أضيف إلى خلقه؛ فالفرق بين ذلك كالفرق بين ذات الخالق وذوات المخلوقين"[2]. [1] آداب البحث والمناظرة 2/130. وانظر: منهج ودراسات ص45. وأضواء البيان 2/320، 7/450. [2] آداب البحث والمناظرة 2/131. وأضواء البيان 7/451. وانظر منهج ودراسات ص45-46.