منا من عنق راحلته[1]، بل من حبل وريده[2]، مع أنه مستو على عرشه، لا يخفى عليه شيء من عمل خلقه جل وعلا"[3].
ثالثاً: الردّ على الجهمية القائلين إنّ الله معنا بذاته:
يرى الجهمية أنّ الله في كلّ مكان، وأنه معنا بذاته[4]. وقد استدلوا بقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [5]، وقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} [6]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد ردّ عليهم الشيخ الأمين -رحمه الله- مبيّنا لهم أنّ هذا الفهم لهذه الآية غير صحيح؛ فالله سبحانه هو الذي أحاط بمخلوقاته، ولا تحيط به جل وعلا، فهو أكبر من كلّ شيء؛ فقال -رحمه الله-: "اعلم أنّ ما يزعمه الجهمية من أنّ الله تعالى في كلّ مكان مستدلين بهذه الآية[7] على أنه في الأرض: ضلال مبين، وجهل بالله تعالى؛ لأنّ جميع الأمكنة الموجودة أحقر وأصغر من أن يحلّ في شيء منها ربّ السموات والأرض الذي هو أعظم من كلّ شيء، وأعلى من كلّ شيء، محيط بكلّ شيء ولا يحيط به [1] يشير -رحمه الله- إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ((والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم)) . (أخرجه مسلم في صحيحه 4/2077) . [2] يشير -رحمه الله- إلى قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} . (سورة ق، الآية [16] ) . [3] دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب –الملحق بأضواء البيان 10/285-. وانظر: أضواء البيان 3/390.
ولشيخ الإسلام -رحمه الله-، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- كلام حول هذا المعنى. (انظر: الفتاوى 5/103. ومختصر الصواعق ص419-492) . [4] انظر الرد على الجهمية للإمام الدارمي ص18. [5] سورة الحديد، الآية [4] . [6] سورة الأنعام، الآية [3] . [7] يقصد قوله تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم} . (سورة الأنعام، الآية [3] ) .