شيء، فالسموات والأرض في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل في يد أحدنا –وله المثل الأعلى-، فلو كانت حبة خردل في يد رجل، فهل يمكن أن يقال: إنه حالّ فيها، أو في كلّ جزء من أجزائها؟ لا، وكلا هي أصغر وأحقر من ذلك. فإذا علمت ذلك: اعلم أنّ ربّ السموات والأرض أكبر من كلّ شيء، وأعظم من كلّ شيء، محيط بكلّ شيء ولا يحيط به شيء، ولا يكون فوقه شيء. {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [1] سبحانه وتعالى علواً كبيراً، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} 2"[3].
وبهذا يتضح لنا بطلان هذا القول القبيح الذي هو حلول صرف؛ إذ يلزم منه أنّ الله تعالى حالّ في كلّ مكان، ليس في مكان دون آخر، ويلزم منه أن تكون الأماكن القذرة، وأجواف الخنازير محلاً لله سبحانه وتعالى عما يقول المبطلون علواً كبيراً.
[5] صفة العلم:
العلم من صفات الله الذاتية، فهي لا تنفك عنه جلّ وعلا. وعلمه سبحانه وتعالى محيط بكلّ شيء أزَلاً وأبداً. وهو أحد مراتب القدر الأربعة؛ فقد علم الله سبحانه وتعالى جميع ما هو كائن، ولم يطلع على غيبه أحداً من خلقه، إلا ما أطلع عليه رسله تأييداً لهم في دعوتهم الناس إلى الإيمان به جل وعلا. [1] سورة سبأ، الآية [3] .
2 سورة طه، الآية [110] . [3] أضواء البيان 2/182-183. ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام حول هذا المعنى في الفتاوى (5/230) .