مدللا عليها بآيات من القرآن الكريم؛ فقال "الجواب: أن لا خلاف بين أهل اللسان العربي، ولا بين المسلمين أن صيغ الجموع تأتي لمعنيين؛ أحدهما: إرادة التعظيم فقط، فلا يدخل في صيغة الجمع تعدد أصلاً؛ لأن صيغة الجمع المراد بها التعظيم إنما يراد بها واحد. الثاني: أن يراد بصيغة الجمع معنى الجمع المعروف. وإذا علمت ذلك فاعلم أن القرآن العظيم يكثر فيه جداً إطلاق الله جل وعلا على نفسه صيغة الجمع؛ يريد بذلك تعظيم نفسه، ولايريد بذلك تعدداً، ولا أن معه غيره سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، كقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [1]؛ فصيغة الجمع في قوله: {إنا} وفي قوله: {نحن} ، وفي قوله: {نزلنا} ، وقوله: {حافظون} لايراد بها أن معه منزلاً للذكر وحافظاً له غيره تعالى، بل هو وحده المنزل له والحافظ له. وكذلك قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [2]، وقوله: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [3]، وقوله: {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} [4]، ونحو هذا كثير في القرآن جداً، وبه تعلم أن صيغة الجمع في قوله: {إنا} ، وفي قوله: {خلقنا} ، وفي قوله: {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [5] إنما يراد بها التعظيم، ولا يراد بها التعدد أصلاً.
وإذا كان يراد بها التعظيم لا التعدد علم بذلك أنها لا تصح بها معارضة قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [6]؛ لأنها دلت على صفة اليدين، والجمع في [1] سورة الحجر، الآية [9] [2] سورة الواقعة، الآية [58-59] . [3] سورة الواقعة، الآية [69] . [4] سورة الواقعة، الآية [72] . [5] سورة يس، الآية [71] . [6] سورة ص، الآية [75] .