السلف لا يقصدون بإثباتهم صفة الاستواء لله أنها تشابه صفة استواء المخلوق، فكما أنّ لله الخالق ذاتاً لا تشابه الذوات، كذلك له صفات لا تشبه الصفات.
ولذلك ذكر -رحمه الله- أنّ اتصاف المخلوق بالاستواء هو على ما يليق به، كما أنّ استواء الخالق جلّ وعلا على ما يليق به. وأنّ الصفة وإن اشتركت في المعنى، إلا أنّ كل صفة تتبع موصوفها. فالله تعالى يقول عن استواء الإنسان: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [1]، ويقول سبحانه: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} الآية[2]، ويقول عن استواء السفينة: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} الآية[3].
ثم قال -رحمه الله- بعد ما ذكر هذه الآيات الكريمات: "وإنّ للخالق جلّ وعلا استواء لائقا بكماله وجلاله، وللمخلوق أيضاً استواء مناسب لحاله، وبين استواء الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين الخالق والمخلوق، على نحو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 4"[5].
وبذلك يقطع الشيخ -رحمه الله- الطريق على الجاهلين الذين شبهوا الله بخلقه، ثمّ عطلوه عن صفة الكمال التي أثبتها لنفسه فهو -رحمه الله- يؤكد أنّ صفة الاستواء التي اتصف بها الله سبحانه وتعالى ليست كما تصور لكم عقولكم، بل هو استواء لا نعلم كيفيته، كما أننا لا نعرف كيفية الذات، فلله سبحانه من هذه الصفة ما يليق بجلاله وعظمته من غير تشبيه أو [1] سورة الزخرف، الآية [13] . [2] سورة المؤمنون، الآية [28] . [3] سورة هود، الآية [44] .
4 سورة الشورى، الآية [11] . [5] أضواء البيان 2/318.