من أداء حقهم. فهو مستحب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» ؛ وذلك لأن الإنسان إذا شاهد القبر تذكَّر الموت وما بعده، وفي ذلك عظة واعتبار، وهذا المعنى ثابت في جميع القبور، ودلالة القبور على ذلك متساوية، كما أن المساجد غير الماسجد الثلاثة متساوية، ولا يتعتين شيء منها بالتعيين بالنسبة إلى هذا الغرض.
القسم الثاني: زيارتها للدعاء لأهلها؛ كما ثبت من زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأهل البَقيع. وهذا مستحب في حق كل ميِّت من المسلمين.
القسم الثالث: [زيارتها] للتبرك بأهلها، إذا كانوا من أهل الصلاح والخير، وقد قال أبو محمد الشارِمساحي المالكيّ: «إنَّ قصدَ الانتفاع بالميت بدعة إلا في زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وقبور المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين» . [وهذا الذي استثناه من قبور الأنبياء والمرسلين] صحيح، وأما حكمه في غيرهم بالبدعة ففيه نظر، ولا ضرورة بنا هنا إلى تحقيق الكلام فيه؛ لأن مقصودنا أن زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء للتبرك بهم مشروعة، وقد جزم به.
القسم الرابع: [زيارتهم] لأداء حقهم؛ فإنَّ من كان له حق على الشخص فينبغي له بِرّه في حياته وبعد موته، والزيارة من جملة البر؛ لما فيها من الإكرام، ويشبه أن تكون زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبر أُمِّه من هذا القبيل؛ كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، وذكر حديث مسلم الصحيح في استئذانه صلى الله عليه وسلم في زيارة قبر أُمِّه فأذن له ... إلى آخر ما قال» اهـ.