فأيّ لوم يلحقه في ذلك، وهو مأجور على كلّ حال، أصاب أو أخطأ، وأمّا ابن حجر فلا حظّ له من ذلك؛ لأنّه حرّم على نفسه العمل بالدّليل وألزمها التّقليد، وشتّان بين الرّجلين؛ فإنّ المجتهد هو الذي يكون مأجورًا في الحالين ـ أصاب أم أخطأ ـ، وأمّا مَن قلّده فليس له ذلك؛ لأنّ الله يقول ـ وهو أصدق القائلين ـ: {واتّقوا يومًا لا تجزي نفس عن نفس شيئًا} .
وأمّا قوله: «وسوّلت له نفسه حتى ضرب مع المجتهدين بسهم صائب ... » إلخ:
فجوابه أن يُقال: أمّا شيخ الإسلام فقد شهد له بالاجتهاد في زمانه سبعون مجتهدًا؛ أنّ شروط الاجتهاد قد استجمعها وزيادة؛ كما دلّت على ذلك مصنّفاته التي ملأت الآفاق، وشهد بحسن جودتها المخالف والموافق؛ فلا غرو بعد هذا أن يدّعي الاجتهاد.
ويقال أيضًا لابن حجر: هذا باب الاجتهاد الذي سددتموه؛ من الذي أمركم بسدّه؟ وفي أي زمان كان سدّه؟ أمّا تستحون من هذا المقال الذي لا يصدر إلَّا عن جاهل محتال؟! فكم من خير عن الأُمّة بمقالكم هذا منعتموه، وكم من بدع وخرافات وترهات ألصقتموها بالدّين بسبب هذا الافتراء العظيم، منعتم الناس أن يستهدوا بكتاب ربّهم وسُنّة نبيّهم وأقوال سلفهم؛ لتروج عليهم بضاعتكم المزجاة، وتنفقوا عليهم سلعتكم؛ توسلًا لحبّ المال والجاه! فلمّا رأى شيخ الإسلام ما حلّ بالدّين وأهله من سوء صنيعكم هذا؛ قام لله بصدق عزم، وقوة حزم، ومعه تلميذه الإمام شمس الدّين ابن القيّم، وفي أثرهم الحافظ ابن عبد الهادي، والحافظ ابن كثير والحافظ ابن الوزير اليمانيّ، وتبعهم الحافظ شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر السعقلاني، والحافظ السّخاوي، والحافظ جلال الدّين السّيوطيّ، وفي أثرهم جاء الحافظ شيخ الإسلام محمد بن إسماعيل الأمير الصّنعاني، والحافظ شاه ولي الله المحدّث الدّهلويّ، والحافظ شيخ الإسلام قاضي اليمن محمد عليّ الشّوكانيّ، والإمام المحدّث السّيد صدّيق حسن خان، وخلق سواهم؛ وهجموا بأجمعهم وقوة عزمهم وجنانهم على باب الاجتهاد الذي سدّه أهل البغي والعناد؛ ففتحوه، وصار النّاس يدخلون في دين الله أفواجًا، حتّى النّصاري واليهود وأهل المِلل المختلفة، الذين كان لا يمنعهم عن الدّخول فيه إلَّا تشعّب الفرق والأحزاب والبدع والخرافات؛ فكانوا يحسبون أنّ هذا كلّه دين؛ فلمّا جاء هؤلاء الأئمّة الذين وصفنا حالهم، وبيّنوا للنّاس ما هو من الدّين وما هو بريء منه ـ بل يشتكي إلى الله من