responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 75
يقل الله عز وَجل أَنه أفنانا بعد ذَلِك وَنَصّ تَعَالَى على أَنه خلق الأَرْض وَالْمَاء حِينَئِذٍ بقوله تَعَالَى {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} وَقَوله تَعَالَى {خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} وَأخْبر عز وَجل إِنَّه خلقنَا من طين والطين هُوَ التُّرَاب وَإِنَّمَا خلق تَعَالَى من ذَلِك أجسامنا فصح أَن عنصر أجسامنا مَخْلُوق مُنْذُ أول خلقه تَعَالَى السَّمَوَات وَأَن أَرْوَاحنَا وَهِي أَنْفُسنَا مخلوقة مُنْذُ أَخذ الله تَعَالَى عَلَيْهَا الْعَهْد وَهَكَذَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم ثمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} وَثمّ توجب فِي اللُّغَة الَّتِي بهَا نزل الْقُرْآن التعقيب بمهلة ثمَّ يصور الله تَعَالَى من الطين أجسامنا من اللَّحْم وَالدَّم وَالْعِظَام بِأَن يحِيل أَعْرَاض التُّرَاب وَالْمَاء وصفاتهما فَتَصِير نباتاً وحباً وثماراً يتغذى بهَا فتستحيل فِينَا لَحْمًا وعظماً ودماً وعصباً وجلداً وغضاريف وشعراً ودماغاً ونخاعاً وعروقاً وعضلاً وشحماً ومنياً ولبناً فَقَط وَكَذَلِكَ تعود أجسامنا بعد الْمَوْت تُرَابا وَلَا بُد وتصعد رطوباتها المائية وَأما جمع الله تَعَالَى الْأَنْفس إِلَى الأجساد فَهِيَ الْحَيَاة الأولى بعد افتراقها الَّذِي هُوَ الْمَوْت الأول فَتبقى كَذَلِك فِي عَالم الدُّنْيَا الَّذِي هُوَ عَالم الِابْتِلَاء مَا شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ ينقلنا بِالْمَوْتِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ فِرَاق الْأَنْفس للأجساد ثَانِيَة إِلَى البرزخ الَّذِي تقيم فِيهِ الْأَنْفس إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وتعود أجسامنا تُرَابا كَمَا قُلْنَا ثمَّ يجمع الله عز وَجل يَوْم الْقِيَامَة بَين أنفسناوأجسادنا الَّتِي كَانَت بعد أَن يُعِيدهَا وينشرها من الْقُبُور وَهِي الْمَوَاضِع الَّتِي اسْتَقَرَّتْ أجزاؤها فِيهَا لَا يعلمهَا غَيره وَلَا يحصيها سواهُ عز وَجل لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَهَذِهِ الْحَيَاة الثَّانِيَة الَّتِي لَا تبيد أبدا ويخلد الْإِنْس وَالْجِنّ مؤمنهم فِي الْجنَّة بِلَا نِهَايَة وكافرهم فِي النَّار بِلَا نِهَايَة وَأما الْمَلَائِكَة وحور الْعين فكلهم فِي الْجنَّة خلقُوا من النُّور وفيهَا يبقون أبدا بِلَا نِهَايَة وَلم ينقلوا عَنْهَا قطولا ينقلون هَذَا كُله نَص قَول الله عز وَجل إِذْ يَقُول {كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ} وَإِذ يَقُول الله تَعَالَى مُصدقا لِلْقَائِلين {رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} فَلَا يشذ عَن هَذَا أحد إِلَّا من أبانه الله تَعَالَى بمعجزة ظَهرت فِيهِ كمن أَحْيَاهُ الله عز وَجل آيَة لنَبِيّ كالمسيح عَلَيْهِ السَّلَام وكالذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت فَقَالَ لَهُم الله موتوا ثمَّ أحياهم فَهَؤُلَاءِ وَالَّذِي أَمَاتَهُ الله مائَة عَام ثمَّ أَحْيَاهُ كلهم مَاتُوا ثَلَاث موتات وحيوا ثَلَاث مَرَّات وَأما من ظن أَن الصعقة الَّتِي تكون يَوْم الْقِيَامَة موت فقد أَخطَأ بعض الْقُرْآن الَّذِي ذكرنَا لِأَنَّهَا كَانَت تكون حِينَئِذٍ لكل أحد ثَلَاث موتات وَثَلَاث إحياآت وَهَذَا كذب وباطل وَخلاف لِلْقُرْآنِ وَقد بَين عز وَجل هَذَا نصا فَقَالَ تَعَالَى {وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} فَبين تَعَالَى أَن تِلْكَ الصعقة إِنَّمَا هِيَ فزع لَا موت وَبَين ذَلِك بقوله تَعَالَى فِي سُورَة الزمر {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا وَوضع الْكتاب وَجِيء بالنبيين وَالشُّهَدَاء} الْآيَة فَبين تَعَالَى أَن تِلْكَ الصعقة مُسْتَثْنى مِنْهَا من شَاءَ الله عز وَجل وَفسّر بهَا الْآيَة الَّتِي ذكرنَا قبل وبينت أَنَّهَا فزعة لَا موتَة وَكَذَلِكَ فَسرهَا النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَنَّهُ أول من يقوم فَيرى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَائِما فَلَا يدْرِي أَكَانَ مِمَّن صعق فأفاق أم جوزي بصعقة الطّور فسماها إفاقة وَلَو كَانَت موتَة مَا سَمَّاهَا إفاقة بل إحْيَاء فَكَذَلِك كَانَت صعقة مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم الطّور فزعة لَا موتا قَالَ تَعَالَى {وخر مُوسَى صعقاً فَلَمَّا أَفَاق قَالَ سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك}

نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 75
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست