responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 76
هَذَا مَا لَا خلاف فِيهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فصح بِمَا ذكرنَا أَن الدّور سبع وَهِي عالمون كل عَالم مِنْهَا قَائِم بِذَاتِهِ فأولها دَار الِابْتِدَاء وعالمه وَهُوَ الَّذِي خلق عز وَجل فِيهِ الْأَنْفس جملَة وَاحِدَة وَأخذ عَلَيْهَا الْعَهْد هَكَذَا نَص تَعَالَى على أَنَّهَا الْأَنْفس بقوله عز وَجل {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم} وَهِي دَار وَاحِدَة لأَنهم كلهم فِيهَا مُسلمُونَ وَهِي دَار طَوِيلَة على آخر النُّفُوس جدا إِلَّا على أول المخلوقين فَهِيَ قَصِيرَة عَلَيْهِم جدا وَثَانِيها وَهِي دَار الِابْتِلَاء وعالمه وَهِي الَّتِي نَحن فِيهَا وَهِي الَّتِي يُرْسل الله تَعَالَى النُّفُوس إِلَيْهَا من عَالم الِابْتِدَاء فتقيم فِيهِ فِي أجسادها متعبدة مَا أَقَامَت حَتَّى تُفَارِقهُ جيلاً بعد جيل حَتَّى تستوفي جَمِيع الْأَنْفس المخلوقة بسكناها الْمُوفق لَهَا فِيهِ ثمَّ ينقضى هَذَا الْعلم وَهِي دَار قَصِيرَة جدا على كل نفس فِي ذَاتهَا لِأَن مُدَّة عمر الْإِنْسَان فِيهَا قَلِيل وَلَو عمر ألف عَام فَكيف بأعمار جُمْهُور النَّاس الَّتِي هِيَ من سَاعَة إِلَى حُدُود الْمِائَة عَام ثمَّ داران اثْنَتَانِ للبرزخ وهما اللَّتَان ترجع إِلَيْهِمَا النُّفُوس عِنْد خُرُوجهَا من هَذَا الْعَالم وفراقها أجسادها وهما عِنْد سَمَاء الدُّنْيَا نَص على ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر أَنه رأى لَيْلَة أسر بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام آدم فِي سَمَّاهُ الدُّنْيَا وَعَن يَمِينه أسوده وَعَن يسَاره أسوده فَسَأَلَ عَنْهَا فَأخْبر أَنَّهَا نسم بنيه وَأَن الَّذين عَن يَمِينه أَرْوَاح أهل السَّعَادَة وَالَّذين عَن يسَاره أَرْوَاح أهل الشَّقَاء وَقد نَص الله تَعَالَى على هَذَا أَيْضا فَقَالَ تَعَالَى {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين} وَقَالَ تَعَالَى {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم وَأما إِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم وتصلية جحيم إِن هَذَا لَهو حق الْيَقِين} وَقَالَ تَعَالَى {ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ وَتَوَاصَوْا بالمرحمة أُولَئِكَ أَصْحَاب الميمنة وَالَّذين كفرُوا بِآيَاتِنَا هم أَصْحَاب المشأمة عَلَيْهِم نَار مؤصدة}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ هَكَذَا نَص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء بِلَا شكّ فَمن الْبَاطِل أَن يفوز الشُّهَدَاء بِفضل يحرمه الْأَنْبِيَاء وهم المقربون الَّذين ذكر الله تَعَالَى أَنهم فِي الْجنَّة إِذْ يَقُول تَعَالَى {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} فهاتان داران قائمان لم يدْخل أهلهما بعد لَا جنَّة وَلَا نَارا بِنَصّ الْقُرْآن وَالسّنة وَقَالَ تَعَالَى {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً وَيَوْم تقوم السَّاعَة ادخُلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} وَقَالَ تَعَالَى حاكياً عَن الْكفَّار أَنهم يَقُولُونَ يَوْم الْبَعْث {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} فصح أَنهم لم يعذبوا فِي النَّار بعد وَهَكَذَا جَاءَت الْأَخْبَار كلهَا بِأَن الْجَمِيع يَوْم الْقِيَامَة يصيرون إِلَى الْجنَّة وَإِلَى النَّار لَا قبل ذَلِك حاشى الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء فَقَط وَلَا يُنكر خُرُوجهمْ من الْجنَّة لحضور الْحساب فقد دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجنَّة ثمَّ خرج عَنْهَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى عِنْدهَا جنَّة المأوى} وهما داران طويلتان على أول النُّفُوس جدا حاشى آخر المخلوقين فَهِيَ قَصِيرَة عَلَيْهِم جدا وَإِنَّمَا استقصرها الْكفَّار كَمَا قَالَ عز وَجل فِي الْقُرْآن لأَنهم انتقلوا عَنْهَا إِلَى عَذَاب النَّار نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا فاستقلوا تِلْكَ الْمدَّة وَإِن كَانَت طَوِيلَة حَتَّى ظَنّهَا بَعضهم لشدَّة مَا صَارُوا إِلَيْهِ يَوْمًا أَو بعض

نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 76
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست