لا تستطيع الشمس من جريه ... ترسمه ظلاً على الأرض
الفصل الثاني في الأحمر وهو الكميت
ولفظه يقع على الذكر والأنثى ولا يستعمل إلا مصغراً ولونه بين الحمرة والشقرة، والفرق ما بينه وبين الأشقر بالعرف والذنب والقوائم فإن كانت سوداً فكميت وإلا فأشقر. وأنواع الكميت خمسة: أحوى وأحم، ومدمى وأحمر، ومحلف. فالكميت الأحوى يعلوه سواد، والفرق بينه وبين الأخضر الأحم احمرار مناخره واصفرار خاصرته، وأما الكميت الأحم والكميت الأحوى، فإنهما متشابهان في اللون، حتى أن البصريين بهما يشكان فيهما، فيحلف أحدهما أنه أحوى والآخر أحم. قال أبو منصوراليربوعي:
تسائلني بنو جشم بن بكر ... إغراء العرادة أم بهيم
كميت غير محلفة ولكن ... كلون الصرف عل به الأديم
وفي الحديث "خير الخيل الحو" وعن نافع بن جبير عنه صلى الله عليه وسلم: "اليمن في الخيل في كل أحوى". والكميت الأحم، ما شابه الأحوى، إلا أنه أقل سواداً منه. والمدمي ما اشتدت حمرته وسرته أشد حمرة من سائر جسده. والأحمر أشد حمرة من المدمى، وهو أحسن الكمت لأنه خالص الكمتة، ويقال له كميت مصامص، أي خالص والمصامص والمصمص، شديد تركيب العظام والمفاصل، قال أبو داؤد:
ولقد ذعرت بنات عس ... م المرشفات لها بصابص
بمجوف بلقاً واع ... ني لونه ورد مصامص
يمشي كمشي نعامتي ... ن تتابعان أشق شاخص
والمحلف ما قاربت حمرته إلى الشقرة، وعرفه وذنبه يميلان إلى السواد، روى الشعبي عنه صلى الله عليه وسلم "التمسوا الحوائج على الفرس الكميت، الأرثم المحجل الثلاث المطلق اليد اليمنى"، والرثم: بياض في الشفة العليا. وعن موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أبتاع فرساً؛ وأفند فرساً، فقال: عليك به كميتاً أو أدهم أقرح أرثم محجل ثلاث طليق اليمين". وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الخيل فقال: "أحمرها وأسرعها وأشقرها وأظفرها أدهمها".
وقال ابن أمية: "سألت الأمير قيساً عن أفضل الخيل، فقال: أحمرها كيف ما كان، وأجودها الأدهم"، وسألت ابن ثعلبة عن أصبر الخيل، فقال: الكميت. وعن مسعود بن خراش قال: "سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيس بن زهير العبسي، أي الخيل وجدتموها أصبر في حربكم؟ قال الكميت". وحكى الأسوردي قال: "قالت بنو عبس ما صبر معنا في الحرب من النساء إلا بنات العم ومن الخيل إلا الكمت ومن الإبل إلا الحمر". وقال أبو داؤد الإيادي:
إن لم تلطني بهم حقاً أتيتكم ... حوّاً وكمتاً تعادي كالسراجين
من كل جرداء قد طارت عقيقتها ... وكل أجرد مسترخى الأباذين
وقال امرؤ القيس:
كميت يزل اللبد عن حال متنه ... كما زلت الصفواء بالمتنزل
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
تشكى الكميت الجريَ لما جهدته ... وبين لو يسطع أن يتكلما
لذلك أدني دون خيلي مكانه ... وأوصي به ألا يهان ويكرما
فقلت له إن ألقَ للعين قرةً ... فهان عليَّ أن تكل وتسأما
عدمت إذن وفري وفارقت مهجتي ... لئن لم أقل قرناً إن الله سلما
ومن لطائف ابن نباتة قوله:
يا واصف الخيل بالكميت وبالنه ... د أرحني من طول وسواس
لا نهد إلا من صدر غانية ... ولا كميت إلا من الكاس
فأخذه فخر الدين بن مكانس فقال:
وإذا ذكرت الخيل في الميدان ... فاشرب كميتاً واعلُ فوق نهود
وقال آخر:
وأحمر كالديباج أما سماؤه ... فرياً وأما أرضه فمحول
وقال عبد السلام بن غياث المعروف بديك الجن:
أحمر كالخضاب في صفح هادي ... هـ من الهاديات مثل الخضاب
وكأني أرمي به الهضاب على حي ... ن وناه بقطعة من هضاب
وكأني رفعت بالبرق شمًلا=لي ولما أضأتها بعقاب وقال ابن تميم في مهرة حمراء:
أهديت لي يا مالكي مهرة ... جميلة الخلق بوجه جميل
مؤخرها والعنق قد أوقعا ... قلب الأعادي في العريض الطويل
قد لبست من شفق حلة ... تخبرنا أن أباها أصيل.
الفصل الثالث في الأدهم