لما ترفع عن ند يسابقه ... أضحى يسابق في ميدانه نظره
والأشقر الورد، إذا اشتملت شقرته، على شهبته، يقال له أغبر. وقد ورد فيها أحاديث وآثار تدل على فضلها. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يمن الخيل في شقرها". وعنه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الخيل الشقر" وعنه قال: "كان صلى الله عليه وسلم، بطريق تبوك، وقد قل الماء، فبعث الخيل في كل جهة يطلبون الماء، فكان أول من طلع بالماء صاحب فرس أشقر، والثاني صاحب فرس أشقر، وكذلك الثالث، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك في الشقر" وعن محمد بن مهاجر قال: "سألت ابن وهب الجشمي لم فضل الأشقر؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فكان أول من جاء بالفتح صاحب فرس أشقر".
وعن زيد بن صفوان: "كان صلى الله عليه وسلم يحب من الخيل الشقر، وإلا فأدهم أغر محجل، ثلاث طليق اليمنى". وعن عمرو بن الحارث الأنصاري عن أشياخ أهل مصر، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن خيل العرب جمعت في صعيد واحد، ما سبقها إلا أشقر". وحكى ابن النحاس، أن سليمان بن عبد الملك، "سأل يوماً بن نصير فاتح المغرب والأندلس، عن حروب الأمم التي حاربها، ما كنت تفزع إليه عند الحرب؟ قال: الدعاء والصبر، قال: فأي الخيل رأيت أصبر؟ قال: الشقر، قال: فأي الأمم أشد قتالاً؟ قال: هم أكثر من أن أصف، قال: فأخبرني عن الروم، قال: أسد في حصونهم، عقبان على خيولهم، نساء على مراكبهم، إن رأوا فرصة انتهزوها، وإن رأوا غلبة فأوعال تذهب في الجبال لا يرون الهزيمة عاراً، قال: فالبربر، قال: هم أشبه الأمم بالعرب لقاءً ونجدة وصبراً وفروسية، غير أنهم أغدر الناس، قال: فأهل الأندلس، قال: ملوك مترفون، وفرسان لا يجبنون، قال: فالإفرنج، قال: هناك العدد والجلد والشدة والبأس، قال: فكيف كانت الحرب بينك وبينهم؟ قال: أما هذا فوالله ما هزمت لي راية قط، ولا بدد لي جمع، ولا نكب المسلمون معي، منذ اقتحمت الأربعين إلى أن بلغت الثمانين". وقد أكثر الشعراء من مدح الأشقر فمن ذلك قول ابن خفاجة:
ومشى يتيه بها اختيالاً أجرد ... في شقرة لو سال سال نضارا
تسترقص الأعطاف من طرب به ... شية تدور على العيون عقارا
لو كنت شاهده وقد ملأ الفضا ... ركضاً وسد على الكميّ قفارا
لرأيت فيما قد رأيت وقد بدا ... ناراً تكون إذا جرى إعصارا
يستعطف الأسماع إطراءً له ... في صورة تستعطف الأبصارا
وقال المتنبي:
فأصبح يجتاب المسوح مخافة ... وقد كان يجتاب الدلاص المسردا
تمشي به العكاز في الدير تائباً ... وما كان يرضى مشي أشقر أجردا
وما تاب حتى غادر الكر وجهه ... جريحاً وخلى وجهه النقع أرمدا
وقال آخر:
تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد ... سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشقر خنذيذ يجر عنانه ... إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا
وقال إسحاق بن خفاجة:
ومطهم شرق الأديم كأنما ... ألفت معاطفه النجيع خضابا
طرب إذا غنى الحسام ممزق ... ترب العجاجة جيئة وذهابا
قدحت يد الهيجاء منه بارقاً ... متلهباً يزجي القتام سحابا
ورمى الحفاظ به شياطين العدا ... فأنقض في ليل الغبار شهابا
بسام ثغر الحلي تحسب أنه ... كأس أثار بها المزاج حبابا
وقال يمدح القائد أبا الطاهر:
وحن إليه كل ورد محجل ... كأن لجيناً سال منه على تبر
يجول فتجري في عنان، به الصبا ... ويزخر في لبد به البحر في البر
وأشهب وضاح تحمل رقعة ... من الحسن لم تعبر به العين في بسر
تخط سطور الضرب في صدره الظبا ... ويعجمها وخز المثقفة السمر
ويدرج منه السلم ما تنشر الوغى ... فطوراً إلى طي وطوراً إلى نشر
وأدهم لولا أنه راق صورة ... لما عرفته العين من ليلة الهجر
طويل سبيب العرف والفتق والشوى ... قصير عسيب الذيل والظهر والنسر
له غرة تستصحب النصر طلعة ... كفاك بها في صورة الحشر من عشر
وقال الصلاح الصفدي:
يا حسنهُ من أشقر قصرت ... عنه بروق الجو في الركض