وأنواعه خمسة: أدهم حالك وأحوى وأحم وأصدى وأخضر. فالأدهم الحالك أشد هذه الأنواع سواداً وأصفاها. والأحوى ما علا سواده حمرة. والأحم ما شابه الأحوى، إلا أنه أقل حمرة، والأصدى ما خالط سواده شقرة، والأخضر ما خالط سواده غبرة.
روي عن يزيد بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخير في الأدهم الأقرح الأرثم محجل الثلاث طلق اليمنى" (القرحة في وجه الفرس بياض دون الغرة) . وعن عتبة عنه صلى الله عليه وسلم: "إذا أردت أن تغزو فاشتر فرساً أدهم محجل الثلاث مطلق اليمنى، فإنك تغنم وتسلم، فإن لم يكن أدهم فكميتاً على هذه الشية" أي على هذه الصفة. وعن أبي قتادة الأنصاري عنه صلى الله عليه وسلم: "خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم الأقرح المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميتاً على هذه الشية" وعن أبي وهب الجشمي عنه صلى الله عليه وسلم "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة، واربطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأكفالها، وعليكم بكل كميت أغر محجل، أو أشقر أغر محجل، أو أدهم أغر محجل"، وذكر الخيل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خضرها أحبلها، وكمتها ديباجها وشقرها حيادها اللهم بارك في الأخضر اللهم بارك في الأشقر".
وحكى ابن بسام في الذخيرة: كان للمتوكل ابن الأفطس الأندلسي فرس أدهم محجل، على كفله ست نقط بيض، فندب الشعراء لوصفه فقال أبو الوليد البجلي ارتجالاً:
ركب البدر جواداً سابحاً ... تقف الريح لأدنى مهله
لبس الليل قميصاً سابغاً ... والثريا نقط في كفله
وغدير الصبح قد خيض به ... فبدا تحجيله من بلله
كل مطلوب وإن طالت به ... رجله من أجله في أجله
وقال ابن اللبانة فيه:
لله طرف جال يا ابن محمد ... فجنت به حوباؤه التأميلا
لما رأى أن الظلام أديمه ... أهدى لأربعه الهدى تحجيلا
وكأنما في الردف منه مباسم ... تبغي هناك لرجله تقبيلا
وقال ابن نباتة:
وأدهم اللون حندسي ... في جريه للورى عجائب
تقصر سعي الرياح عنه ... فكلها خلفه جنائب
وقال الصفي الحلي:
ولقد أروح إلى القنيص وأغتدي ... في متن أدهم كالظلام محجل
رام الصباح من الدجى استنقاذه ... حسداً فلم يظفر بغير الأرجل
فكأنه صبغ الشباب إهابه ... وخط المشيب فجاءه من أسفل
وقال الطاهر الجزولي:
وأدهم كالليل البهيم مطهم ... فقد عز من يعلو بساحة عرفه
يفوت هبوب الريح سبقاً إذا جرى ... تراهن رجليه مواقع طرفه
وقال غيره:
قد سابق الطرف بطرف سابق ... كأنه يريد إدراك القدر
دهمته تبدي سواداً حالكاً ... كأنها ليل إذا الليل اعتكر
صهيله يطرب من يسمعه ... كأنه رعد إذا الرعد زجر
أو سابق الريح جرى من قبلها ... والبرق لا يسبقه إذا ظهر
وقال ابن خفاجة:
وأدهم نم آل الوجيه ولاحق ... له الليل لون والصباح حجول
ترقرق ماء الحسن فوق أديمه ... فلولا التهاب الخصر ظل يسيل
كأن هلال الفطر لاح بوجهه ... فأعيننا شوقاً إليه تميل
كأن الرياح العاصفات تقله ... إذا ابتل منه مخرم وتليل
إذا عابد الرحمن في متنه علا ... بدا الزهو في العطفين منه يجول
فمن رام تشبيهاً له قال موجزاً ... وإن كان وصف الحسن منه يطول
هو الفلك الدوار في صهواته ... لبدر الدياجي مطلع وأفول
وامتدح ابن دنينير اللخمي القابوس الملك المنصور مستمنحاً منه فرساً بقوله:
ملك الورى دعوة مني على مضض ... من الزمان الذي أخنى بلا سبب
أودى تلادي وولى بعده تبعاً ... حتى طريفي وما جمعت من نشب
وكان قد غفلت عني حوادثه ... في بغلة كنت أقضي فوقها أربي
حتى ألم بها منه الردى فغدا ... قلبي قتيل الأسى والهم والنصب
ولم أجد سبباً يجني الزمان به ... على ذوي الفضل إلا حرفة الأدب
فاكبت عداي بأخرى مثلها فلقد ... قصرت عن كل ما أهوى من التعب
أولا فأدهم تفري الليل غرته ... نهد القصير شديد العظم والعصب