جوش والعلم: موضعان من حسمى على أربع مراحل.
يقول: سرت بها من مصر حتى خرجت من هذين الموضعين، خروج السهم من القوس أو من الرمية.
وطرد الأيدي بالأرجل: إتباعها من غير تراخ في عدو. وهو استعارة لطيفة؛ لأنه جعل أرجلها تطرد أيديها في السير، كما يطرد الصيد، وهو مأخوذ من قول بعض العرب:
كأنّ يديها حين جدّ نجاؤها ... طريدان والرّجلان طالبتا وترا
إلا أن لفظ أبي الطيب ألطف وأحسن.
تبرى لهنّ نعام الدّوّ مسرجةً ... تعارض الجدل المرخاة باللّجم
تبرى لهن أي تعارض العيس، وفاعل تبرى نعام الدو: وأراد بها الخيل. شبهها بالنعام؛ لطول ساقها، وسرعة جريها. والدو: الفلاة المستوية. والجدل: جمع جديل، وهو زمام الناقة المضفور من السيور.
يقول: إن الخيل كانت تعارض في سيرها هذه العيس، وتقابل اللجم بأزمتها؛ لطول عنقها.
في غلمةٍ أخطروا أرواحهم ورضوا ... بما لقين رضا الأيسار بالزّلم
الأيسار: الذين ينحرون الجزور، ويتقارعون عليها بالسهام، واحدهم يسر. والزلم: السهم، وجمعه أزلام.
يقول: سرت بهذه الإيل في غلمة خاطروا معي بأنفسهم، ورضوا بما يلقون من خير وشر، كما يرضى بحكم القداح.
تبدوا لنا كلّما ألقوا عمائمهم ... عمائمٌ خلقت سوداً بلا لثم
يقول: إذا طرحوا عمائمهم عن رءوسهم، ظهرت عمائم خلقت: يعني شعورهم. وجعلها بلا لثم، لأنهم مرد لا شعور على وجوههم.
بيض العوارض طعّانون من لحقوا ... من الفوارس، شلاّلون للنّعم
العوارض: محط اللحية في الخد. والشل: الطرد.
يقول: هم مرد لا شعور على عوارضهم، وهم يطعنون كل من لحقوا من الفوارس، ويغيرون على النعم.
وروى ابن جني عنه: بالنصب.
أي بيض العوارض طعانين شلالين وهو نصب على الحال والمدح.
قد بلّغوا بقناهم فوق طاقته ... وليس يبلغ ما فيهم من الهمم
يقول: بلغوا بقناهم فوق طاقة القنا من الطعن، ومع ذلك فإن القنا لا يبلغ حد هممهم، بل يقصر عنه.
في الجاهليّة إلا أنّ أنفسهم ... من طيبهنّ به في الأشهر الحرم
يقول: هم على عادة أهل الجاهلية في الغارة والحرب، ولكن أنفسهم لثقتها برماحها آمنة، فتسكن أنفسهم كما سكنت نفوس أهل الجاهلية في الأشهر الحرم.
وقيل: أراد أنهم لعفتهم كأنهم في الأشهر الحرم. فكنى بالطيب عن العفة.
ناشوا الرّماح وكانت غير ناطقةٍ ... فعلّموها صياح الطير في البهم
ناشوا: تناولوا. والبهم جمع بهمة، وهو الشجاع.
يقول: أخدوا الرماح وهي خرس فطعنوا بها الأبطال، حتى صاحت فيهم صياح الطير. وهو كقول المثلم:
تصيح الردينيّات فينا وفيهم ... صياح بنات الماء أصحن جوّعا
تخذي الرّكاب بنا بيضاً مشافرها ... خضراً فراسنها في الرّغل والينم
تخذي: أي تسرع السير. والرغل والينم: نبتان حسنان. والفرسن: أسفل الخف. وقوله: بيضاً مشافرها لأنا لا ندعها ترعى.
معكومةً بسياط القوم نضربها ... عن منبت العشب نبغي منبت الكرم
معكومة: أي مشدودة الأفواه.
يقول: ضربت بالسياط فكأن السياط شدت أفواهها. وقوله: نضربها عن منبت العشب: يعني نمنعها بضربها بالسياط عن رعي العشب، نطلب منبت الكرم لنرعى منه.
وأين منبته من بعد منبته ... أبي شجاعٍ قريع العرب والعجم؟
القريح: السيد الكريم، لما قال: نبغي لها منبت الكرم رجع عنه وقال: أين نطلب لها منبت الكرم؟! بعدما بطل منبته، وهو أبو شجاع فاتك، الذي هو سيد العرب والعجم أي: لا منبت للكرم بعد أبي شجاع. بدل من منبته.
لا فاتكٌ آخرٌ في مصر نقصده ... ولا له خلفٌ في النّاس كلّهم
أي: إنما كان منبت الكرم فاتكا وقد مضى هو، فليس في مصر من يشابهه.
من لا تشابهه الأحياء في شيمٍ ... أمسى تشابهه الأموات في الرّمم
الرمم: جمع رمة وهي العظم البالي.
يقول: لم تكن تشبهه الأحياء في أخلاقه الكريمة، وقد أمسى الآن تشبهه الأموات في عظامه الرميمة.
عدمته وكأنّي سرت أطلبه ... فما تزيدني الدّنيا على العدم
يقول: لما فقدته طلبت له مثلا في مكارمه وأخلاقه، فما ظفرت به في الدنيا، إذ ليس له نظير.
وقيل: أراد طال سيرى في طلب مثله، تمنياً للغاية وعطائه فلم تزدني الدنيا على العدم شيئاً.