ما زلت أضحك إبلي كلّما نظرت ... إلى من اختضبت أخفافها بدم
يقول: قصدت ملوكا وأدميت أخفاف إبلي بسيري إليهم، فلما وصلت إليهم وجدتهم لا خير فيهم، فكنت أضحك إبلي من حالي معهم! تعجبا وهزؤا.
أسيرها بين أصنامٍ أشاهدها ... ولا أشاهد فيها عفّة الصّنم
أسيرها: يجوز بفتح الهمزة ويجوز بضمها. يقال: سرت أنا وأسرت ناقتي.
يقول: كنت أسير إبلي بين قوم كأنهم أصنام لا خير عندهم ولا عقل، ولكن ليس فيهم ما في الصنم من العفة.
حتى رجعت وأقلامي قوائل لي ... المجد للسّيف ليس المجد للقلم
يقول: ما زلت أتوسل إليهم بالقلم والفضل والعلم، فلما لم أظفر بخير قالت لي الأقلام: اطلب الشرف بالسيف لا بالقلم.
اكتب بنا أبداً بعد الكتاب به ... فإنّما نحن للأسياف كالخدم
الكتاب: مصدر كالكتابة.
يقول: قالت الأقلام: اطلب أولا بالسيف، ثم بعد ذلك اكتب بنا. بعده، فإنا تبع له وخدم: أي مهد أمرك أولا بالسيف، ثم بعد ذلك اكتب بنا. ومثله للبحتري.
تعنو له وزراء الملك خاضعةً ... وعادة السّيف أن يستخدم القلما
أسمعتني ودوائي ما أشرت به ... فإن غفلت فدائي قلّة الفهم
يقول لأقلامه: قد أسمعتني ما قلت لي؛ ودوائي هذا الذي أمرتني به من إعمال السيف، فإن لم أفعل فدائي من قلة العلم والفضل.
من اقتضى بسوى الهنديّ حاجته ... أجاب كلّ سؤال عن هلٍ بلم
فاعل أجاب ضمير من.
يقول: من طلب حاجته بغير السيف لم يظفر بها، فإذا سأله إنسان وقال له: هل أدركت حاجتك؟ قال له. لم أدركها.
وهل حرف استفهام ولم حرف نفي وجعلهما اسمين وجرهما.
توهّم القوم أنّ العجز قرّبنا ... وفي التّقرّب ما يدعو إلى التّهم
يقول: إن الملوك توهموا أن قربي منهم لعجز في، أو لأستميح رفدهم، لأن التقرب من الإنسان ربما يدعو إلى مثل هذا الوهم.
وقيل: معناه إن التوهم كما يكون للاستماحة قد يكون لتمكن الفرصة وانتهازها، وليس ينبغي لهم أن يتوهموا أن قصدي إياهم للعجز دون أن يكون لانتهاز الفرصة.
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعةً ... بين الرّجال ولو كانوا ذوي رحم
يقول: إنهم لما لم ينصفوا في إنزالنا منازلنا ففارقناهم، لأن قلة الإنصاف تقطع بين الناس، وإن كانوا ذوي قربي.
فلا زيارة إلا أن تزورهم ... أيدٍ نشأن مع المصقولة الخذم
المصقولة الخذم: هي السيوف القواطع.
يعني: بعد هذه الكرة لا أزورهم إلا بأيد متعودة للضرب وحمل السيوف.
من كلّ قاضيةٍ بالموت شفرته ... ما بين منتقمٍ منه ومنتقم
المنتقم: الرجل القاتل. والمنتقم منه: المقتول: أي كل واحد من هذه المصقولة الخذم شفرته قاضية بالموت بين المقتول والقاتل أي كأن الفريقين يحتكمان إلى شفرته فيقضي بينهم بالموت.
صنّا قوائمها عنهم فما وقعت ... مواقع اللّؤم في الأيدي ولا الكزم
الكزم: القصر في أصابع اليد.
يقول: صنا هذه السيوف أن يسلبنا إياها أعداؤنا من الملوك وغيرهم، فتقع قوائمها في أيديهم، وهي مواقع اللؤم؛ لأن قوائم السيوف إنما تقع في بواطن الأيدي إذا سلبوها، فإذا لم يسلبوها فما يقع فيهم إلا مضاربها.
هوّن على بصرٍ ما شقّ منظره ... فإنّما يقظات العين كالحلم
ما شق منظرة: أي ما كره النظر إليه لقبحه.
يقول: هون على كل أمر مهول لا تقدر العين أن تنظر إليه، فإنه لا حقيقه لليقظة كما لا حقيقه للأحلام، كذلك أحوال الدنيا وشدائدها إلى الزوال عن قريب، كحلم مفزع يراه الإنسان في نومه، فإذا انتبه زال.
ولا تشكّ إلى خلقٍ فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم
يقول: لا تشك لأحد حالك فإنه يشمت بحلول المكروه بك. فصرت كالجريح يشكو ما به إلى الغربان والرخم، فإنها تتمنى موته لتأكل لحمه.
وكن على حذرٍ للنّاس تستره ... ولا يغرّك منهم ثغر مبتسم
الهاء في تستره للحذر.
يقول: احذر من الناس واستر حذرك منهم؛ لأنك إذا أظهرته جاهروك بالعداوة، ولا تغتر بابتسامهم في وجهك.
غاض الوفاء فما تلقاه في عدةٍ ... وأعوز الصّدق في الإخبار والقسم
يقول: ذهب الوفاء فلا تلقاه في وعد أحد من الناس، وتعذر وجود الصدق في أخبار الناس وأيمانهم.