يقول للزمان أو للموت: أبقيت كافوراً الذي هو أكذب الناس قولا، وأخذت فاتكاً الذي هو أصدقهم قولا ووعدا..
وتركت أنتن ريحةٍ مذمومةٍ ... وسلبت أطيب ريحةٍ تتضوّع
ريح وريحة ورائحة بمعنى. وتضوعت رائحة الطيب: إذا انتشرت. وهذا البيت كالذي قبله.
يعني: بأنتن ريحة كافوراً وبأطيب ريحة فاتكا.
فاليوم قرّ لكلّ وحشٍ نافرٍ ... دمه وكان كأنّه يتطلّع
يقول: إنه كان يديم قنص الوحش، فلما مات استقر دم كل وحش في جلده بعد أن كان الدم يتطلع: أي يهم بالخروج من غير أن يجريه خوفا منه.
وقيل: يتطلع الوحش: أي كان يهم بالخروج ولم يخرج خوفاً منه.
وتصالحت ثمر السّياط وخيله ... وأوت إليها سوقها والأذرع
ثمر السياط: أطرافها.
يقول: إنه كان يديم ضرب خيله بالسياط في الحروب والغارات والصيد وطرد الوحش، فلما مات تصالحت السياط مع خيله، حتى سكنت إليها سوق الخيل وأذرعها، وأمنت أذاها وألمها، إذ لا يضربها أحد بالسياط بعده.
وعفا الطّراد فلا سنانٌ راعفٌ ... فوق القناة ولا سنانٌ يلمع
الطراد: مطاردة الفرسان. وقيل: هو الرمح الصغير. وعفا: أي درس.
يقول: عفا بموته رسم الطعان والضراب، فلا يرى بعده سنان راعف: أي قد طعن به فهو يقطر دما، وكذلك لا يرى سيف يلمع ويبرق.
ولّى وكلّ مخالمٍ ومنادمٍ ... بعد اللّزوم مشيّعٌ ومودّع
المخالم: المصادق.
يقول: لما مات تفرقت ندماؤه وأصدقاؤه، فودع بعضهم بعضا وشيعه، بعد أن كانوا ملازمين لا يتفرقون. وقيل: أراد ودع فاتكاً كل منادم وصديق.
قد كان فيه لكلّ قومٍ ملجأ ... ولسيفه في كلّ قومٍ مرتع
يقول: قد كان فاتك ملجأ ينتمي إليه كل قوم عندما يقع لهم من الحوادث، وكذلك سيفه كان يقتل كل قوم، فكأنه يرتع في لحوم القتلى.
إن حلّ في فرسٍ ففيها ربّها ... كسرى تذلّ له الرّقاب وتخضع
الفرس: أهل فارس. والهاء في فيها ترجع إلى الفرس، وأراد به أرض فارس، أو القبيلة أو الجماعة.
أو حلّ في رومٍ ففيها قيصرٌ ... أو حلّ في عربٍ ففيها تبّع
يقول: إن فاتكا كان في الفرس كسرى، وفي الروم قيصرا، وفي العرب تبعا. والتبابعة: ملوك اليمن.
قد كان أسرع فارسٍ في طعنةٍ ... فرساً، ولكنّ المنيّة أسرع
فرسا: نصب على التمييز. والتقدير: كان أسرع فارس فرسا في طعنه.
يقول: كان أحذق بالطعن من كل فارس، وفرسه أسرع من كل فرس، ولكن لم ينفعه ذلك حين جاء الموت.
لا قلّبت أيدي الفوارس بعده ... رمحاً ولا حملت جواداً أربع
يعني: أنه كان حاذقاً بركوب الخيل والطعن بالرماح، فإذا قامت فلا حملت فرسا قوائمه الأربع، ولا حمل فارس رمحا بيده.
؟ العراقيات الأخيرة
ودخل صديق لأبي الطيب عليه بالكوفة وبيده تفاحة من ند، مما جاءه في هدايا فاتك، عليها اسمه فناوله إياها فقرأها..
فقال أبو الطيب يرثي فاتكا:
يذكّرني فاتكاً حلمه ... وشيءٌ من النّدّ فيه اسمه
يقول: إن حلم فاتك يذكرني فاتكاً، حتى لا أنساه، فكلماً رأيت حليما تذكرته، وكذلك يذكرني فاتكاً قطعةٌ من ند كتب عليها اسمه.
ولست بناسٍ ولكنّني ... يجدّد لي ريحه شمّه
التقدير: ولست بناس إياه، أو بناس عهده. والهاء في ريحه لفاتك وفي شمه لشيء من الند.
لما قال: إن اسمه وحلمه يذكراني إياه، كان ذلك دلالة على النسيان فاستدرك ذلك في البيت وقال: لست أنساه حتى أتذكره، ولكن شم هذا الند جدد لي ريحه، وطيب شمائله.
وأيّ فتىً سلبتني المنون؟ ... لم تدر ما ولدت أمّه!
أمه يجوز أن يرفع بالفعل الأول وهو لم تدر ويجوز أن يرفع بالفعل الثاني وهو: ولدته.
يقول: أي فتىً أخذته المنون عني، ثم عظم أمره وقال: إن أمه لم تدر ما ولدته، لأنها ولدت الموت في صورة المولود فحسبته ولدا! فإذا لم تعلمه أمه، فغيرها أولى ألا يعرفه.
ولا ما تضمّ إلى صدرها ... ولو علمت هالها ضمّه
الهاء في صدرها وهالها للأم وفي ضمه لفاتك. وهو رفع لأنه فاعل هالها.
يقول: لم تدر أم فاتك ماذا تضم إلى صدرها، ولو علمته لكان يهولها ضمه؛ لأنها ضمت الموت إلى صدرها.
بمصر ملوكٌ لهم ما له ... ولكنّهم ما لهم همّه