ما كان منك إلى خليلٍ قبلها ... ما يستراب به ولا ما يوجع
قبلها: أي قبل هذه الحالة، أو هذه المصيبة، وما يستراب: أي ما يكره.
يقول: لم يكن منك قبل هذه الحالة ما يريب صديقك ويوجعه.
ولقد أراك وما تلمّ ملمّةٌ ... إلا نفاها عنك قلبٌ أصمع
قلب أصمع: أي ذكي.
يقول: إذا نالتك مصيبة، تدفعها عنك بقوة قلبك، وحدة ذكائك.
ويد كأنّ نوالها وقتالها ... فرضٌ يحقّ عليك وهو تبرّع
ويد عطف على قلب.
يقول: كنت أعرفك، إذا نزلت بك حادثة دفعتها عنك بذكاء قلبك وشدة ساعدك، فما بالك لم تدفعها الآن عنك؟؟! وقوله: كأن نوالها وقتالها أي أنك لم تبخل بقتال ولا بذل نوال، حتى كأنهما واجبان عليك، وهو تبرع وتفضل.
يا من يبدّل كلّ يومٍ حلّةً ... أنّى رضيت بحلّةٍ لا تنزع؟
أي: يا من كان يبدل، فحذف كان وكذلك فيما قبله، كقوله تعالى: " واتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ " أي ما كانت تتلوا.
يقول: كنت تنزع كل يوم حلة للسؤال، وتلبس حلة جديدة، فكيف رضيت الآن بحلة لا تنزعها أبداً، ولا تبدلها بغيرها؟ يعني الكفن.
ما زلت تخلعها على من شاءها ... حتّى لبست اليوم ما لا تخلع
يقول: لم تزل تخلع حلتك على من طلبها حتى لبست الآن حلةً لا يشتهيها أحد، ولا يسألك أن تخلعها عليه. والهاء في تخلعها وشاءها للحلة.
ما زلت تدفع كلّ أمرٍ فادحٍ ... حتّى أتى الأمر الّذي لا يدفع
يقول: كنت تدفع كل حادثة عظيمة تنزل بك، حتى نزل بك الآن ما لا يمكن أحد دفعه يعني: الموت.
فظللت تنظر لارماحك شرّعٌ ... فيما عراك ولا سيوفك قطّع
عراك: أي أتاك.
يقول: لما نزل بك حادث الموت، لم تغن عنك رماحك وسيوفك، لكنك ظللت تنظر إلى أصحابك، ولا يقدر أحد على دفعه عنك.
بأبي الوحيد وجيشه متكاثرٌ ... يبكي ومن شرّ السّلاح الأدمع
يقول: أبي فداء المتوحد الذي جيشه كثير.
يعني: أن جيشه لا يقدر على دفع الموت عنه.
جعله وحيداً لا ناصر له، وكأن جيشه يبكي عليه، لأنهم لا يملكون له شيئاً سوى البكاء ثم قال: والدموع شر السلاح؛ لأنه لا يدفع بها حادثة.
وإذا حصلت من السّلاح على البكا ... فحشاك رعت به، وخدّك تقرع
يقول: إذا كان رأس سلاحك هو البكاء لم يصل ضرره إلا إليك، لأنك تؤلم به قلبك وتقرع به خدك.
وصلت إليك يدٌ سواءٌ عندها ال ... بازي لاشهب والغراب الأبقع
أراد يد الدهر، والمراد بالبازي لاشهب: الكريم. وبالغراب الأبقع: اللئيم. يعني: أن الموت إذا جاء لم يفرق بين الشريف والوضيع.
من للمحافل والجحافل والسّرى؟ ... فقدت بفقدك نيّراً لا يطلع
المحافل: المجالس، وقيل: هي جماعات الناس. والجحافل: الخيل. والسرى: جمع سراية. كأن قوام هذه الأشياء، نيرها الذي غاب عنها فلا يطلع أبدا.
ومن اتّخذت على الضّيوف خليفةً؟ ... ضاعوا ومثلك لا يكاد يضيّع
من استفهام. يعني: كنت تتعاهد أمر أضيافك، فمن الذي تركت بعدك خليفة يقوم بأمورهم؟ فإنهم ضاعوا، ولم يكن من عادتك أن تضيع أحداً.
قبحاً لوجهك يا زمان! فإنّه ... وجهٌ له من كلّ قبحٍ برقع
يقول: قبح الله وجهك يا زمان! فإنه وجه مبرقع بكل لؤم: أي كل فعل مذموم مجتمع فيك!
أيموت مثل أبي شجاعٍ فاتكٍ ... ويعيش حاسده الخصيّ الأوكع؟!
الأوكع الذي تميل إبهام رجله على أصابعه حتى تخرج عن أصله، ويجوز أن يكون فاتك رفع بدلا من مثل وجر بدلا من من أبي شجاع.
أنكر على الزمان موت فاتك وحياة كافور بعده، وقال: تترك كافوراً مع لؤمه، وتهلك فاتكا مع شرفه وكرمه؟! وإنما تفعل ذلك للؤمك، فأنت تحامي من كان مثلك. وقوله: أيموت مثل أبي شجاع: أي يموت أبو شجاع، ومثل زائدة.
أيدٍ مقطّعةٌ حوالي رأسه ... وقفاً يصيح بها: ألا من يصفع؟
يقول: إن كافوراً للؤمه وخسته يبعث الناس على صفعه، فكأن قفاه يصيح: هل من أحد يصفعني؟ ولكن كأن أيدي من حوله مقطوعة لا يقدرون على صفعه وتناوله. وهذا على معنى الخبر، أن أيديهم كذلك. ويجوز أن يكون دعاء على أصحابها فكأنه يقول: قطع الله هذه الأيدي.
أبقيت أكذب كاذبٍ أبقيته ... وأخذت أصدق من يقول ويسمع
ويسمع: أي يجيب.