الحزن يقلق والتّجمّل يردع ... والدّمع بينهما عصيٌّ طيّع
يقول: الحزن يحملني على الجزع، والتجمل يردعني عن الجزع، فدمعي متحير بين التجمل والقلق، يعصي التجمل ويطيع القلق.
يتنازعان دموع عين مسهّدٍ ... هذا يجيء بها وهذا يرجع
يقول: إن الحزن والتجمل يتنازعان: دموع عين لا تنام. هذا يجيء بها، أي الحزن يجيء بالدموع. وهذا يرجع. أي التجمل يردها.
النّوم بعد أبي شجاعٍ نافرٌ ... واللّيل معيٍ والكواكب ظلّع
يقال: ظلع يظلع إذا عي من التعب فهو ظالع، والجمع ظلع.
يقول: قد زال عني النوم بعد موت أبي شجاع، وطال علي الليل حتى كأنه معي لا نهوض له، والكواكب أيضا لا تبرح مكانها حتى كأنها غامزة.
يصف طول ليله عليه، ودوام سهره.
إنّي لأجبن من فراق أحبّتي ... وتحسّ نفسي بالحمام فأشجع
يقول: ليس حزني هذا من ضعف قلبي، ولكنه إلف وعادة، فنفسي إذا أحست بالموت أقدمت عليه، وإذا أحست بفراق صديق جبنت عنه.
ويزيدني غضب الأعادي قسوةً ... ويلمّ بي عتب الصّديق فأجزع
يقول: إذا غضب العدو، لم أبال بغضبه، بل ازددت قسوة عليه، وإذا عتب علي صديق أدنى عتب، جزعت منه.
تصفو الحياة لجاهلٍ أو غافلٍ ... عمّا مضى فيها وما يتوقّع
ولمن يغلط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع
يقول: لا تصفو الحياة إلا لثلاث: إما جاهل بأحوال الدنيا، أو غافل عما مضى، وما ينتظره من الحياة، أو من يغالط نفسه في الحقائق، ويعللها بالأماني الكاذبة ويطمعها في الأمور المحالة.
أين الّذي الهرمان من بنيانه؟ ... ما قومه ما يومه ما المصرع!!
الهرمان: بناءان شاهقان في الهواء، وسمك كل واحد منهما أربع مئة ذراع في عرض مثلها، لا يعرف من بناهما! ويقال: بناهما عمرو المشلل.
ما قومه؟ لفظه استفهام، ومعناه التعظيم يعني: أن هذا الباني مع قومه وعزه سلطانه، قد انقطع خبره، فلا يعلم من هو ولا من أي أمة هو!!
تتخلّف الآثار عن أصحابها ... حيناً، ويدركها الفناء فتتبع
الهاء في أصحابها للآثار. يعني: ان الآثار تبقى بعد أربابها زمانا، ثم إن الفناء يبطل الآثار أيضاً، فتتبع في الفناء أصحابها.
لم يرض قلب أبي شجاعٍ مبلغٌ ... قبل الممات ولم يسعه موضع
يقول: كان بعيد الهمة، لم يرض من الدنيا منالا ناله، بل كان يطلب أكثر مما ناله، ولم يسعه موضع حتى مات، فكأنه كرهها فارتحل عنها.
كنّا نظنّ دياره مملوءةً ... ذهباً فمات وكلّ دارٍ بلقع
البلقع: الخالية، والجمع: بلا قع.
يقول: كنا نظن أن خزائنه مملوءة من الذهب؛ لكثرة ما كان يهبه من الأموال، فلما مات وجدنا دياره خالية من المال؛ لأنه وهب ماله في حال حياته، ولم يجمع إلا أربعة أشياء ذكرها فيما يليه:
وإذا المكارم والصّوارم والقنا ... وبنات أعوج كلّ شيءٍ يجمع
بنات أعوج: هي الخيل، تنسب إلى فحل كريم في العرب يقال له: أعوج.
يقول: كل شيء جمعه في خزانته فهو هذه الأشياء، دون الذهب وسائر الأموال. ومثله لآخر:
ولم يك كنزه ذهباً ولكن ... سيوف الهند والحلق المذالا
المجد أخسر والمكارم صفقةً ... من أن يعيش لها الكريم الأروع
الأروع: الجميل الذي يروعك جماله.
يقول: إن المجد والمكارم قد خسرت صفقتها فلا يعيش لها كريم يعتني بأمرهما.
وتقدير البيت في الظاهر: المجد والمكارم أخسر صفقة. وإعرابه على غير هذا الوجه؛ لأنك إذا علقت صفقة بأخسر كنت قد فصلت بين الصلة والموصول بقولك: والمكارم ولكن تحمله على إضمار فعل ينصب به صفقة كأنك قلت: المجد أخسر والمكارم كذلك، وتم الكلام، ثم استأنفت صفقة وأضمرت فيه فعلا أي: خسر المجد صفقة.
والنّاس أنزل في زمانك منزلاً ... من أن تعايشهم وقدرك أرفع
يقول لفاتك: إن الناس أنزل درجةً من أن يستحقوا أن تعيش معهم، وأنت أرفع قدراً من أن تصاحبهم، فلما أنفت من ذلك اخترت الموت.
برّد حشاي إن استطعت بلفظةٍ ... فلقد تضرّ إذا تشاء وتنفع
يقول: إن قلبي فيه حرارة الحزن، فبرده بلفظة منك أنتفع بها؛ لأنك قد كنت قادراً على ضر من شئت ونفع من أردت، فذلك لم يتعذر عليك.