يقول: لم يرث هذا المال الذي وهبه من آبائه فيجهل قدره، حيث لم يلحقه عناء بجمعه، بل كبه بسيفه وقهر عليه أعداءه، ولم يجمعه بالسؤال، حتى لا يعرف خطره.
ولا في قوله: لا وراث بمعنى غير: أي غير وارث. وقيل: إنها اطفة كقولك: جاءني زيد لا عمرو: أي لا يدرك المجد إلا سيد فطن لا وراث جاهل بقدر ما يهب.
قال الزّمان له قولاً فأفهمه ... إنّ الزّمان على الإمساك عذّال
يعني: أن الزمان أيقظه بتصاريفه، حتى كأنه عذله على الإمساك، وأمره بأن يهب كيما يكسب المجد والشرف، فكأنه قال هذا القول:
تدري القناة إذا هتزّت براحته ... أنّ الشّقيّ بها خيلٌ وأبطال
يقول: إذا تحركت القناة في يده، علمت أنه يقتل بها الأبطال، والخيل. وهذه الأبيات من تمام قوله: لا يدرك المجد إلا سيد فطن.
كفاتكٍ. ودخول الكاف منقصةٌ ... كالشّمس قلت، وما للشّمس أمثال
يعني. لا يبلغ المجد إلا سيد كفاتك، ثم استدرك وقال: ودخول الكاف منقصة أي إذا قلت: كفاتك جعلت له نظيراً، ولا نظير له، ثم اعتذر فقال: إنما قلت: كفاتك مع علمي أنه لا نظير له، كما أشبه الأشياء بالشمس، وأعلم أنه لا مثل لها، ولم يوجب ذلك نقصا فيها كذلك هذا. ومثله لآخر:
لقد جلّ في أوصافه وخطابه ... عن الكاف إلا أن يقال كريم
القائد الأسد غذّتها براثنه ... بمثلها من عداه وهي أشبال
يقول: هو يقود غلماناً رباهم بأسلاب أعدائه، حتى صاروا كالأسود. وقوله: بمثلها أي غذتهم براثنه: أي سيوفه، بأسلاب أسود أمثالهم من أعدائهم، وهذه الأسود أشباله.
جعله أسداً، وغلمانه حوله كالأشبال.
القاتل السّيف في جسم القتيل به ... وللسّيوف كما للنّاس آجال
يقول: يضرب الفارس بسيفه فيقتله، وبكسر السيف في جسمه. وقوله: والسيوف كما للناس آجال أخده من قوله صلى الله عليه وسلم: لا تضربوا إماءكم بكسر إنائكم، فإن لها آجالاً كآجالكم والمصراع الأول مثل قوله:
قتلت نفوس العدي بالحدي ... د حتّى قتلت بهنّ الحديدا
تغير عنه على الغارات هيبته ... وما له بأقاصي الأرض أهمال
الأهمال: جمع الهمل والهمال، والهمل: جمع الهامل، وهو المال المهمل في المرعى بلا راع.
يقول: إن هيبته تغير عن الممدوح غارات اللصوص: أي تبعدهم عن التعرض لماله، فماله يرعى في المرعى مهمل بلا راع، فلا يتعرض إليه أحد من الهيبة.
له من الوحش ما اختارت أسنّته: ... عيرٌ وهيقٌ وخنساءٌ وذيّال
العير: حمار الوحش والهيق: ذكر النعام والأنثى هيقة، والخنساء: البقرة الوحشية، والذيال: الثور الوحشي.
يقول: إنه يقدر على اصطياد كل ما يختاره.
تمسي الضّيوف مشهّاةً بعقوته ... كأنّ أوقاتها في الطّيب آصال
عقوته سهله وما قرب منه. والمشهاة: من قولهم: شهيته: أي جعلته يشتهي، أو أنلته ما يشتهي. والآصال: جمع أصل، وأصل: جمع أصيل، وهو بعد العصر؛ وذلك الوقت يطيب خاصة في الصيف.
يقول: إنه يكرم أضيافه، ويمكنهم من كل ما يشتهونه، فأوقاتهم كلها عنده طيبة كالآصال.
لو اشتهت لحم قاريها لبادرها ... خراذلٌ منه في الشّيزى وأوصال
القاري: المضيف، وهو الممدوح، ولحم خراذل بالذال والدال: مقطع والواحد خرذلة. والشيزى: جفان سود يقال إنها من الشيز.
قال الأصمعي: الشيز لا يعمل منه الجفان، وإنما تعمل من الجون فتسود من الدسم فتشبه الشيز، والهاء في قاريها وبادرها للأضياف، وفي منه للحم ويجوز أن يكون للممدوح.
يقول: لو اشتهت الأضياف لحمه لنحر لهم نفسه، وحملت قطعاً إلى الضيوف في الجفان، وحملت إليهم أوصاله مقطعةً.
لا يعرف الّزء في مالٍ ولا ولدٍ ... إلا إذا حفز الضّيفان ترحال
الحفز: التحريك والإزعاج.
يقول: لا يغتم لشيء أصابه في ماله وولده، وإنما يحزن عندما يتأهب الضيف للرحيل.
يروى صدى الأرض من فضلات ما شربوا ... محض اللّقاح، وصافي اللّون سلسال
الصدى: العطش، وأراد ها هنا يبس الأرض. والمحض: اللبن الخالص. واللقاح: جمع لقحة، وهي الناقة التي تحلب. والسلسال: الشراب الصافي السهل المساغ، وأراد به الخمر.
يقول: إذا رحل أضيافه أراق ما يبقى من شرابهم من اللبن والخمر، ولم يدخره لغيرهم، لأنه يتلقى كل ضيف بقرىً جديد.