يقول: قد كان كافور على قرب ما بيننا في المسافة بجسمه، بعيداً منا؛ لجهله وعمى قلبه.
لقد كنت أحسب قبل الخصىّ ... أنّ الرّءوس مقرّ النّهى
النهى: العقول، واحدها نهية.
يقول: كنت قبل أن أرى كافورا أظن أن العقل يحل الرءوس، فكان الأمر لما رأيته بخلاف ذلك.
فلمّا نظرت إلى عقله ... رأيت النّهى كلّها في الخصى
أي ظننت أن العقل يحل الرأس، فلما رأيت كافوراً وقلة عقله، صح عندي أن محل العقل إنما هو الخصى؛ لأنه لما قطعت خصيته زال عقله.
وماذا بمصر من المضحكات ... ولكنّه ضحكٌ كالبكا
يقول: ماذا في مصر من أحوال عجيبة مضحكة! ولكنه ليس يضحك منها ضحك فرح، ولكنه يضحك تعجباً، وهذا الضحك كالبكاء.
بها نبطيٌّ من أهل السّواد ... يدرّس أنساب أهل الفلا
يقول: من جملة ما فيها من المضحكات نبطي بها، من أهل السواد، يقرأ عليه أنساب العرب، وهو يدرك هذه الأنساب، وهذا مما يضحك منه.
وكان اسم الرجل ابن خنزابة وكان أديباً بمصر.
وأسود مشفره نصفه ... يقال له: أنت بدر الدّجى
ويقول: ومنها أسود قبيح الوجه، تدلت شفته كأنها مقدار نصفه، مع ذلك يقال له: أنت بدر الدجى! وعنى به كافوراً.
وشعرٍ مدحت به الكركدن ... ن بين القريض وبين الرّقى
الكركدن: كلمة تقال لكل قبيح، وقيل: هو دابة بالهند.
يقول: ومنها شعري الذي مدحت به كافورا، كان في ظاهره شعراً، وفي باطنه رقيةً أرقيه بها من جنونه.
فما كان ذلك مدحاً له ... ولكنّه كان هجو الورى
يقول: ما قلت فيه من المدح ليس بمدح له، وإنما كان هجو للناس؛ لأنهم رغبوا عن الحمد وجميل الذكر، فأحوجوني إلى مدحه. فمدحي له يدل على سقوط الخلق وخستهم.
وقد ضلّ قومٌ بأصنامهم ... فأمّا بزقّ رياحٍ فلا
يقول: قد ضل قوم بالأصنام فعظموها لحسنها، وما سمعت أن أحداً عبد زقاً منفوخاً! فلولا جهل أهل مصر، لما رضوا بحكمه.
ومن جهلت نفسه قدره ... رأى غيره منه ما لا يرى
يقول: إذا لم يعلم الإنسان قدر نفسه، فإن الناس يعلمون من حاله ما خفي عليه.
يعني: أن كافور إن كان نسي ما كان فيه من الخسة ومهانة القدر، فالناس يعلمون ذلك من حاله.
وقال أيضاً يهجو كافوراً
وأسود أمّا القلب منه فضيّقٌ ... نخيبٌ وأمّا بطنه فرحيب
النخيب: الفارغ الخالي، ويقال للجبان: نخيب. ومنخوب الفؤاد: يعنون أن صدره فارغ لا قلب فيه. والرحيب: الواسع.
يقول: هذا أسود ضيق القلب بالعطاء، جبان ليس فيه فؤاد، وبطنه واسع عظيم، أو أنه شره ليس له همة إلا جوفه.
يموت به غيظاً على الدّهر أهله ... كما مات غيظاً فاتكٌ وشبيب
الهاء في به للأسود، وفي أهله للدهر، وغيظاً مفعول له.
يقول: إن الناس إذا رأوا حالة كافور ماتوا غيظاً على الدهر - حيث ألقى الدهر إليه أزمة الملك - كما مات شبيب العقيلي وفاتك المجنون غيظاً على الدهر.
أعدت على مخصاه ثمّ تركته ... يتبّع منّى الشّمس وهي تغيب
مخصاه: موضع خصيته.
يقول: أخزيته بهجائي له، فكأني خصيته ثانية، ثم رحلت عنه وتركته ينظر إلى الشمس وقت غروبها. أي لا يصل إلي، كما لا يصل إلى الشمس إذا غابت.
ومثله للمجنون:
فأصبحت من ليلي الغداة كناظرٍ ... مع الصّبح في أعقاب نجمٍ مغرّب
إذا ما عدمت الأصل والعقل والنّدى ... فما لحياةٍ في جنابك طيب
يعني: إذا عدمت جميع خصال الخير فلا يطيب لأحد الحياة في قربك.
وأنشده صديق له بمصر من كتاب الخيل لأبي عبيدة وهو نشوان:
تلوم عليّ أن أمنح الورد لقحةً ... وما تستوي والورد ساعة تفزع
فأجابه أبو الطيب:
بلى تستوي والورد، والورد دونها ... إذا ما جرى فيك الرّحيق المشعشع
الورد اسم فرس كان لقائل البيت. فلامته امرأته على قيامه بتعهده وإيثاره على عياله، فرد عليها بأبيات منها هذا البيت، وبين أن هذا الفرس أنفع في حال الشدة منها.
فقال أبو الطيب: إن هذا غير مستمر، بل هي مثل الورد، بل الورد دونها في حال اللذة والشرب. والرحيق: الخمر، المشعشع: الممزوج.
هما مركبا أمنٍ وخوفٍ فصلهما ... لكلّ جوادٍ من مرادك موضع