ثاقب العقل ثابت الحلم لا يق ... در أمرٌ له على إقلاق
ثاقب: قيل معناه: عقله صادق من الجهل منير، يرى به الأمور على حقائقها.
وقيل: بين العقل. وقيل: نافذ العقل ثابت الحلم أي أنه متمكن من حلمه لا يطيش ولا يزعجه شيء ولا يقلقه أمر، لثبات عقله وزيادة حلمه.
يا بني الحارث بن لقمان لا تع ... دمكم في الوغى متون العتاق
يقول لقومهم: لا عدمتكم ظهور الخيل في الحرب. وخص ذلك في حال الحرب؛ دلالة على شجاعتهم. لأن ملازمة ركوب الدواب عادة الرائضين.
بعثوا الرعب في قلوب الأعادي ... فكأن القتال قبل التلاقي
يقول: ملئوا قلوب أعاديهم من الخوف، فانهزموا منهم قبل ملاقاتهم وقتالهم، فكان القتال والحرب قبل الالتقاء.
وتكاد الظبي لما عودوها ... تنتضي نفسها إلى الأعناق
الظبي: جمع ظبية وهي حد السيف. والتأنيث عائد إليها.
يقول: إنهم عودوا سيوفهم إخراجها من الأغماد، وضرب أعناق الأعداء بها، فهي تكاد تخرج نفسها من أغمادها، وتتوصل إلى الأعناق قبل أن يسلوها منها ويضربوا بها.
وإذا أشفق الفوارس من وق ... ع القنا أشفقوا من الإشفاق
يقول: إذا اشتدت الحرب وخاف الفرسان من الطعن، خاف هؤلاء من الخوف، فلا يقدمون في الحرب.
كل ذمرٍ يزيد في الموت حسناً ... كبدور تمامها في المحاق
الذمر: الشجعان يقتحمون المعركة. وقوله: تمامها في المحاق إن أراد بذلك استكمال ضوئها، ففي الظاهر تناقض.
وتأويله: أن كل واحد منهم إذا مات زاد حسنه، لأنه لا يموت إلا قتلاً. فكأنه يقول: هم في الحسن بدور، وإذا قتلوا زاد حسنهم بما يظهر من صبرهم وإقدامهم فكأنهم بدور، تمامها في المحاق على سبيل التقدير: أي لو وجدت بدور إتمامها في محاقها لكانوا مشبهين بها.
وذلك من تعليق الجائز بالمحال.
وقيل: أراد بالتمام غاية ما يفضى إليه أمر البدور وهو المحاق. ومعناه: أن هؤلاء تمام أمرهم في قتلهم. كبدور يفضي أمرها بالمحاق فكذلك يفضي أمر هؤلاء إلى القتل، ولا يموت أحد منهم إلا حتف أنفه.
جاعلٍ درعه منيته إن ... لم يكن دونها من العار واق
الهاء في دونها للمنية.
يقول: كل واحد منهم إذا لم يمكن دفع العار عن نفسه إلا بتدرع الموت، يجعل المنية درعه حتى يقي بها عن نفسه.
كرمٌ خشن الجوانب منهم ... فهو كالماء في الشفار الرقاق
يقول: فيه كرم يحمله على خشونة جوانبه على الأعداء، ففيه لين من حيث الكرم، وخشونة من حيث البأس والامتناع من الأنفة، فهو كالسيف إذا سقي صلبت شفرته وألبسها خشونة مع ما فيه من الرقة والصفاء.
وهذا من بدائع المتنبي.
ومعالٍ إذا ادعاها سواهم ... لزمته جناية السراق
يقول: لهم معالٍ مشهورة لا يمكن لأحد أن يدعيها لنفسه، فإن ادعى مدع ذلك لزمه ما يلزم السارق من قطع اليد.
يابن من كلما بدوت بدا لي ... غائب الشخص حاضر الأخلاق
نصب غائب وحاضر على الحال. وبدا فعل من وأراد به الأب.
يقول: إذا رأيناك كأنا رأينا أباك، لأن أخلاقه موجودة فيك فلم تفتقد منه إلا شخصه.
لو تنكرت في المكر لقومٍ ... حلفوا أنك ابنه بالطلاق
يقول: إنك تشبه أباك في إقدامه وشجاعته، فلو تنكرت: أي أخفيت نفسك. في المكر: أي في الحرب. لحلفوا بالطلاق أنك ابنه. وخص المكر: إشارة إلى أنه في الإقدام والشجاعة لا يشبه إلا أباه، إذ مثل ذلك لا يوجد إلا منه، أو من أبيه، أو لأن هذا الموقف أشرف المواقف وأفخرها والشبه هنا أقوى الأشياء وأنفسها.
كيف يقوى بكفك الزند والآ ... فاق فيها كالكف في الآفاق
الهاء في فيها للكف.
يقول: كيف يطيق زندك حمل كفك؟ مع أن كفك قد أحاطت بنواحي الأرض! حتى صارت الآفاق في كفك بمنزلة كف الإنسان في الآفاق قلة وحضارة. وأراد بذلك سعة عطائه، وأنه يريد منافع العالم.
وقيل: معناه كيف يوري الزند النار ولا ينكسر من قوتك؟! وكفك يحيط بالآفاق إحاطة الآفاق بكف غيرك.
قل نفع الحديد فيك فما يل ... قاك إلا من سيفه من نفاق
يقول: الحديد لا يعمل فيك، فعجز أعداؤك عن المجاهرة بعداوتك وأعادوا السيوف والرماح واختاروا مواراتك والنفاق في حبك، فأظهروا الحب والانقياد. ولطوا على العماوة والشقاق.